وإن الترامي بالضلال يتبادل بين التابع والمتبوع ، وكل تابع هو متبوع لمن بعده ، وقد ردت الطائفة الأولى على من بعدها فقالت ،{ وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون ( 39 )} .
وأولاهم هي المتبوعة أي هي السلف ، والثانية الحلف ، وهذه معان نسبية فكل جيل يكون طائفة أولى لمن يليه وتكون ثانية بالنسبة له ، وهكذا تتعاقب الأجيال ، وتتطارح الوزر ، كل تطرحه على من سبقها والجميع في ضلال مبين .
{ وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل} و ( من ) هنا للاستغراق أي ليس لكم علينا أي فضل يخفف العذاب ، أو يوجب أن يثقل العذاب علينا فوق عذابكم ؛ فأنتم ضللتم كما ضللنا والعذاب للضلال والعناد أو الكفر وقد شاركتمونا في ذلك ، وإذا كنا قد أضللناكم واتبعتمونا في ضلالنا ، فقد أضللتم غيركم ، واتبعوكم في ضلالكم كما اتبعتمونا .
و( الفاء ) في قوله تعالى:{ فما كان لكم علينا من فضل} تفصح عن شرط مقدر تقديره مثلا ، فإذا كنتم قد ضللتم مثلنا ، فما لكم علينا أي فضل يخفف لكم أو يزيد علينا .
ثم يسوق – سبحانه وتعالى – على لسان أولئك المتنابزين قولهم:{ فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون} ( الفاء ) لعطف ما بعدها على ما قبلها ، وقوله تعالى:{ فذوقوا العذاب} ، أي ادخلوا في النار ذائقين لها محسين بآلامها ، وعبر عن ذلك بالذوق ، للإشارة إلى شدة آلامه ، ومتاعبه .
وقوله تعالى:{ بما كنتم تكسبون} ، أي بسبب ما كنتم تكسبون من ظلم وعبث وفساد ، فهذا هو الأصل في سبب العقاب ، وكل امرئ بما كسب رهين ، لا فرق في ذلك بين ضال ، ومضل ، ما دام قد وقع كلانا في الضلال مختارا ، ما دام له عقل يدرك وما دام قد أنذرته الرسل ، وقامت بين يديه البينات ، فإن كان قد اتبع من قبله فعليه إثمه ، وقد جاءه الهادي الرشيد ، فلم يتبعه .
وقريب من هذه المراجعة بين التابع والمتبوع قوله تعالى في سورة أخرى:{. . . . . . . ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين ( 31 ) قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين ( 32 )} ( سبأ ) .