وإن نوحا النبي الأمين ، منهى عنهم ولا يرد عليهم ، بل يقول في أناة المؤمن:{ يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين} يقول مبتدئا القوم بندائهم ، بما يقربهم ويدنيهم لا بما يبعدهم ، وينبئهم ، يناديهم يا قومي يا من أنا منكم وقطعية من جمعكم يضيرني ما يضركم ، ويؤلمني ما يؤلمكم ، ثم يقول نافيا{ ليس بي ضلالة} أي ليس بي حال أضلتني عن الحق ، وكأنهم قصدوا من الضلالة أنه مسحور قد ضل عقله وغاب ، فهو يقول ما بي ضلالة ، بل أنا برشدي الكامل وأنا فوق ذلك هاد ومرشد متحدث عن الله تعالى ؛ ولذا أردف نفي الضلالة بقوله:{ ولكني رسول من رب العالمين} والاستدراك من نفي الضلالة إلى مرتبة عالية ، وذكر أنه رسول ، قد أرسله الله تعالى رحمة بهم ، وإنقاذا لهم من ضلالهم ، وأضاف الرسالة إلى الله تعالى معبرا بقوله:{ رب العالمين} ، أي الذي ربى الناس وكونهم ، وهو القائم عليهم ، والمصرف لأمورهم ، وللوجود كله سبحانه وتعالى .
وإنه لهذا ما أرسل الرسالة إلا رحمة بكم ، وهداية وتوجيها إلى الصراط المستقيم .