سنة الله في الأمم
وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ( 94 ) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ( 95 ) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ( 96 ) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ ( 97 ) أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ ( 98 ) أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ( 99 ) أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ ( 100 ) تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ ( 101 ) وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ ( 102 )
بعد أن قص الله – سبحانه وتعالى – قصص نوح ، وهود وصالح ولوط ، وشعيب ، أخذ يبين – سبحانه وتعالى – سنته في الناس ؛ ومعاملتهم لأنبياء الله ، وكيف يختبرهم بالشر والخير فتنة ، وذكر هذه السنة سبحانه ، ليعتبروا بالقصص ، ويروا ما يصلح حالهم ، وما يحملهم على السير في طريق الخير ، وليعلموا أن الله تعالى يختبر بالنعمة ، ويعاقب من لا يشكر ، وليروا بأعينهم سنة الله تعالى في الظالمين ، وما ينزل بهم من عقاب دنوي يحل بديارهم فوق العقاب الأخروي الذي يستقبلهم ، فقال:
{ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ( 94 )} .
هذا بيان الله تعالى للأمة من الأمم إذا بعث فيها نبيها الذي يدعوها إلى الإيمان بالله تعالى وحده ، ويدعوها إلى الخير الذي يصلحون به في الدنيا والآخرة ، ويقدمون على الله يوم القيامة بالعمل الصالح ، فيجزيهم جزاءه وفقال لما قدموا ، فيقول تعالى:{ وما أرسلنا في قرية} أي في مجتمع أمة من الأمم{ من نبي} من هنا بيانية ، والمعنى وما أرسلنا في مجتمع كبير ، فالقرية المجتمع الكبير الذي يقرى إليه الناس{ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء} أي أن الله تعالى لا يرسل نبيا مؤيدا بالمعجزات ، إلا يوطن النفوس به – عليه السلام – ببيان قدرة الله تعالى ، فيأخذها{ بالبأساء} وهي شدائد الفقر والحرمان ، والتعرض للطغيان من الحكام ،{ والضراء} ، وهي ما يصيب الأبدان من مرض شديد مختلف الأنواع ، لا قبل لهم به ، وإذا مسهم الضر دعوا الله تعالى ، وضرعوا إليه ، كما نزل بأهل مكة عند مقدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى هذا الكون الإنساني .
وأخذ الله تعالى للقرى التي بعث فيها النبي بذلك ؛ لأن الشدة تولد في قلب من عنده استعداد للإيمان الاتجاه إلى طلب النجاة ، فتخضع النفس للحق إذا دعيت إليه ، فإنه حيث الضعف أو الشعور به تنبع منابع الإيمان ، وتتجه النفوس إلى الديان ، وإن الله تعالى يختبرهم بذلك رجاء أن يضرعوا ويخضعوا ، ويذللوا له – سبحانه وتعالى – وحده ، فإنه وحده الخالق لكل شيء الذي يلجأ إليه عند هذه الشدائد .
ولذا قال تعالى:{ لعلهم يضرعون} أي ليرجوا الضراعة والخشوع لله تعالى ، وحيث كانت الضراعة ، كان انفتاح القلب للإيمان ؛ لأن الضراعة أعظم العبادة ، كما قال تعالى:{ ادعوا ربكم تضرعا وخفية . . . . . . . . . . . ( 55 )} .