هذا حال الكفار ، وقد كان من الذين يجارون النبي صلى الله عليه وآله وسلم من كانوا إخوان الشياطين كالكافرين ، وكانوا أخبث نفسا وأفسد قلوبا ، وهم المنافقون ومن في قلوبهم مرض ، وقد قال فيهم:
{ إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَؤُلاء دِينُهُمْ} .
عندما انتصر المسلمون في غزوة بدر وصارت لهم قوة ترهب أعداء الله وجد من ينافق بأن يظهر الإيمان ويبطن الكفر ، لقد كان سكان المدينة منهم الذين آمنوا بالله ورسوله وأيدوه ، ومنهم اليهود ، ومنهم الوثنينون فلما صارت للإسلام شوكة وعزة وقوة – ظهر النفاق ، وأولئك كانوا مع المؤمنين في المظهر ، ومع أعداء الله – تعالى – في حقيقة نفوسهم ، وكانوا يبثون الخبال في المؤمنين ، فقال تعالى في أولئك المنافقين:{ إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} أهما وصفان لطائفة واحدة ، وهم الذين وصفوا بالنفاق ، فلهم وصفان أحدهما النفاق ، والثاني أن في قلوبهم مرضا ، وقد وصفهم الله تعالى بذلك ، فقال:{ في قلبوهم مرض فزادهم الله مرضا . . . . . . . . . . . . . . . . . ( 10 )} ( البقرة ) ، والعطف عطف أوصاف ، لا عطف موصوفين لقولهم:
إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم
أو نقول:إن هناك موصوفين ، وهم المنافقون الذين أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر ، والطائفة الثانية هم الذين في إيمانهم ضعف ، فهم آمونا على حرف ولما يدخل الإيمان في قلوبهم .
وقد بدا لي نظر لم أطلع عليه ، ولكن له شواهد ، وذلك أن الذين في قلوبهم مرض اليهود ، ذلك أن في قلوبهم مرض الحسد ، وهو أشد أدواء القلوب ، وهو في اليهود دائما ، فالمراد بالمنافقين الذين يقولون:إنهم مؤمنون ويبطنون الكفر ، والذين في قلوبهم مرض اليهود .
والوقائع التاريخية تؤيد ذلك أن المنافقين كانوا يقولون غر هؤلاء دينهم ، أي أوقعهم في غرور ، فظنوا أنفسهم الأقوياء ، وليسوا من القوة في شيء وقال اليهود من بني قينقاع:( لقد غر هؤلاء دينهم ، وغرهم انتصارهم ، لئن لاقونا فسيجدننا الناس ) وكان منهم اعتداء على المسلمين حتى أجلاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، هذا ما سبق إلى خاطرنا ، وهو ينطبق على المنافقين واليهود ، والشواهد التاريخية تؤيده ، والله أعلم .
ولقد قال تعالى:{ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} التوكل هو التفويض إلى الله تعالى بعد أخذ الأسباب وتهيئة ما يكون سببا للنصر ، ثم يتجه إلى الله تعالى معتمدا عليه مفوضا الأمور إليه ، فإن الأسباب لا تعمل وحدها بل تعمل بإرادة الله ، وهذا فرق ما بين التوكل والتواكل ، إذ أن المتواكل لا يتخذ الأسباب .
وقوله تعالى:{ فَإِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} ليست جواب الشرط وهو قوله تعالى:{ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ} بل هي سبب جواب الشرط قام السبب مقام المسبب ، والمعنى ومن يتوكل على الله حق توكله ، فإن الله ناصره ، وهو الغالب ، لأن الله معه ، وهو عزيز وحكيم ينصر من ينصره وهو على كل شيء قدير .