المفردات:
غر هؤلاء دينهم: أي: خدع هؤلاء المسلمين دينهم ،فظنوا أنهم ينصرون به فأقدموا على ما أقدموا عليه مما لا طاقة به .
49 –{إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ...} الآية .
تشير الآية إلى موقف المنافقين في المدينة ،والمشركين في مكة ،وإلى غيرهم من الأعراب ،ومن لم يتمكن الإيمان في قلوبهم .
فقد رأوا قلة مؤمنة في بدر ،ثلاثمائة وأربعة عشر رجلا ،تخرج للقاء كثرة كافرة ،تزيد على ثلاثة أمثالهم ،وهؤلاء المنافقون ومرضى القلوب ،يزنون الأمور بميزان الكثرة المادية ،والأمور الحسية .
فقالوا: ما خرج هؤلاء المؤمنون إلا غرورا بدينهم ؛فقد خدعهم دينهم فخرجوا على قلتهم ؛لقتال جيش قوي كبير مستعد ؛فهم يلقون بأنفسهم إلى التهلكة .
وقد تكفل الحق سبحانه بالرد عن المؤمنين ،الذين أخذوا في أسباب النصر ،وأعدوا العدة ثم توكلوا على الله .فقال سبحانه:
{ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم} .
ومن يفوض أمره إلى الله ،ويثق به ويلجأ إليه ،مؤمنا صادقا عاملا ،متيقنا بقدرة خالقه ،وأن بيده الخلق والأمر ؛فإن الله ينصره ويؤيده ،وما النصر إلا من عند الله .
{فإن الله عزيز حكيم} .
أي: غالب على أمره حكيم في فعله .
وقد اقتضت سنته ،أن ينصر الحق على الباطل ،وأن يسلط القليل الضعيف على القوي الكثير .
ورغم أن الآية تشير إلى أحداث غزوة بدر ؛فإنها عامة فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ،إنها تصف طبيعة بعض الناس في عصرنا وسائر العصور ؛هؤلاء الذين يسخرون من أصحاب الدعوات المخلصة على قلتهم ،وقلة ما يملكون من تراث الدنيا ،ويقولون: غر هؤلاء دينهم وعقيدتهم .
وما عملوا أن هؤلاء الدعاة الهداة ،يملكون شيئا قيما ،هو صدق الإيمان ،وسلامة النية ،وإخلاص الدعوة ،وحرارة العقيدة ،وصدق التوكل على الله ،بعد العمل والأمل ،فالله لا يخذلهم بل يمدهم بنصره وعونه:{ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم} .
من أسباب النزول:
روى عن مجاهد أنه قال في تفسير الآية 49 من سورة الأنفال: هم فئة من قريش ،قيس بن الوليد ابن المغيرة ،والحارث بن زمعة بن الأسود بن المطلب ،ويعلى بن أمية ،والعاص بن منبه ،خرجوا مع قريش من مكة ،وهم على الارتياب ،فحبسهم ارتيابهم ،فلما رأوا قلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: غر هؤلاء دينهم ؛حين أقدموا عليه مع قلة عددهم وكثرة عدوهم .