وإذا كان الكافرون لا يثقون في عهد عهدوه ، ولا ينفعون بل يضرون ، فلا بد لحملهم على الحق من القوة الغالبة ، والقهر الذي يرهبهم ؛ ولذا قال تعالى:
{ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُون} .
( الفاء ) عاطفة ، وهي فاء السببية ، أي أن ما قبلها سبب لما بعدها ، أي أن هؤلاء الكفار لا يفعلون خيرا ، وليس منهم إلا الأذى المنكر ، ولا يمنع شرهم بعهد يقدمونه ، فإنه يجب قمعهم بالشر إذا وجدوا في حرب حتى لا يجتمعوا على شر ؛ لأن اجتماعهم إيذاء فلا بد من إرهابهم .
{ فإما تثقفنهم} ( إن ) مدغمة في ( ما ) ، و ( ما ) زائدة لتوكيد القول ، ولذا جاء في الفعل نون التوكيد وجوبا . أو قريبا من الوجوب ، للتأكيد للفعل أي إن تأكدت من وجودهم فلا تجعلهم يفلتون من يدك ، واضربهم الضرب القاسم التي تفزع من خلفهم فيشردون ، بدل أن يكونوا مجتمعين للشر ، فضرب من يقع في اليد من الأشرار ، وضربات قاسمة يجعل من خلقهم ممن هم على شاكلتهم مشردين ، غير مجتمعين ، ومعنى{ تثقفنهم} تجدهم في ثقاف ، أي حال ضعف تقدر فيها عليهم ، وذلك من قوله ثقفتهم أي وجدته .
وقوله تعالى:{ في الحرب} ، أي انساقوا إليك محاربين ، وقدرت عليهم فاغلظ عليهم واضربهم الضربات القاسمة التي تجعلهم نكالا لغيرهم ، فلا يستمرئون الشر بعد ذلك ، وقال تعالى:{ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ} ، أي شرد بضربهم والتنكيل بهم من خلفهم ، فإذا رأوا الهوان ينزل بمن هم على شاكلتهم جزاء غيهم ، فإنهم لا يجتمعون لحرب أهل الحق بعد ذلك ؛ إذ إن ضرب الذين جاءوا للحرب وأخذهم بالسوق والأقدام يجعلهم لا يجتمعون على قتال لأهل الحق ، فلا يهاجمون المؤمنين من بعد ذلك ؛ ولذا قال تعالى:{ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} أي رجاء أن يعتبروا بغيرهم ، ويذكروا مآلهم الذي يستقبلهم بما يرون في من تقدموهم ، إن في ذلك لذكرى لمن له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .