وهناك نوع الجهاد بالمال ، وقطع الفيافي والقفار ، وما يكون فيه من جهد بالمال ، والنفس ، وقد قال سبحانه فيه:{ ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون121} .
قد كان الجزاء على العمل الصالح ، على المشقات التي تحملوها ، والجهود التي بذلوها من ظمأ قطع رقابهم وأمعاءهم ، ومن جوع حرموا فيه من الزاد ، ووطء أرض العدو وما فيه من إذلال كما قال علي:ما وطئت أرض قوم إلا ذلوا ، ومن نيل نالوه منهم ، أما في هذه الآية فالجزاء على النفقة:صغيرة كانت ولو بسوط أو علاقته ، أو كبيرة كتجهيز عثمان جيش العسرة رضي الله عنه ، وإن السير في الفيافي والقفار ، ولو لم ينالوا ويطئوا أرض العدو هو ذاته له أجر وجزاء . قوله تعالى:{ ولا يقطعون واديا} ، الوادي:المنفرج بين الجبلين ، ويراد به هنا الأرض ، لأن قطع الوادي لا يكون إلا بقطع الجبلين اللذين تعرج بينهما ، وقد قال الزمخشري:واديا أي أرضا في ذهابهم ومجيئهم ، والوادي كل منفرج بين جبال وآكام يكون منفذا للسيل ، وهو في الأصل فاعل من ودي إذا سال ، ومنه الودي ، وقد شاع في استعمال العرب بمعنى الأرض يقولون لا تصل في وادي غيرك .
لا ينفقون ولا يقطعون أرضا إلا كتب الله لهم بذلك عمل صالح يستحقون عليه جزاء ما عملوا ، ولذا قال تعالى:{ أحسن ما كانوا يعملون} أي كتب لهم ذلك ليعطيهم سبحانه وتعالى جزاء{ أحسن ما كانوا يعملون} ، وعبر عن الجزاء بالعمل ذاته وقال:{ ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون} لبيان المساواة التامة بين أحسن العمل والجزاء ، وللإشارة إلى أن الجزاء ذاته مشتق من العمل فهو ثمرته ، ولله تعالى الفضل والمنة .
وقبل أن نترك الكلام في معاني هاتين الآيتين اللتين فيهما تحريض على الجهاد ننبه إلى أمرين:
أولهما- أن قوله تعالى{ ولا ينالون من عدو نيلا} أن النيل في أصله معناه بمعنى الأذى الذي ينزل بالعدو ، ويقال نال منه بمعنى:نكبه بما يسوء ويلحق به ضررا .
الثاني- أن قطع الوادي والوصول إلى العدو ، هو ذاته خير ، لأنه قصد بقطع الوادي فعل أمر مثوب عليه ، ومن يسعى في خير كان سعيه مشكورا ، ولو لم يتم الفعل ، ولقد قال تعالى:{. . . .ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله . . .100}( النساء ) .