ولقد قال تعالى مبينا خلف وعدهم:{ فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون} .
( الفاء ) لترتيب الإخلاف بالعهد ، لأن الحلف لا يزيد المنافق إلا خداعا ، ولا يجعله يؤدي الحق فهو يكون على عكس ما يوجبه الإيمان إذ الإيمان يوجب الوفاء ، والنفاق على عكس ذلك يوجب الإخلاف ، وقد صور الله تعالى إيتاءهم وإخلافهم للعهد بقوله تعالى:
{ فلما آتاهم من فضله بخلوا به} ويبدوا ذلك في الرواية التي رويت عن ثعلبة ابن حاطب ، كيف بخل عن الواجبات المفروضة لا عن الصدقات غير المفروضة ، وتعلل بأن الزكاة أخت الجزية ، وإنه كان عليه أن يتفضل بالخير ؛ لأن الله تعالى أعطاه من فضله من حيث لا يحتسب ، وكان رزق الله تعالى فائضا .
وفي الآية الكريمة تصوير لنفس البخيل يؤتيه الله تعالى من فضله بعد أن وعد بأنه سيعطى ويتصدق ، ويكون من الصالحين ، ويوثق عهده بالإيمان المغلظة ، ثم ينقض بعد ذلك عهده شحا بالمال ، وقد زاده العطاء شحا ، ويصور كذلك نفس المنافق ، ولا ترتبط بعهد ، ولا تصر على وعد ، بل نفسه منفلتة دائما ، وعاثرة ، لا تستقر ولا يوثق لها ، وإن المنافق إذا فقد الضمير والنفس اللوامة انماعت نفسه ، فأصبح لا يؤمن بشيء ولا يربط بعهد أو وعد .
وقد استنبط بعض فقهاء الزيدية من هذه الآية وجوب الوفاء بالعهد ما دام في غير معصية ، والفقهاء جميعا على ذلك ، ومصداقه قوله صلى الله عليه وسلم:"من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصى الله فلا يعصه"{[1253]} والعهد لله نذر ، وقد قال جمهور الفقهاء إن النذر واجب الوفاء إذا كان من جنس فرض من الفروض ، وإن العهد لله الذي يعاهد أولئك المنافقون عليه عهد على طاعة ، وهي الصدقة في قوله عنهم:{ لنصدقن} . وقوله تعالى:{ ولنكونن من الصالحين} فيه إيمان إلى أنهم يحسون بأنهم ليسوا صالحين ، وأنهم يريدون أن يعدلوا ، ليخرجوا من الحال غير الصالحة إلى حال أخرى غير حالهم ، وهو حال النفاق .
وقد زادهم العطاء نفاقا ؛ لأنهم لم يفوا بالعهد ، وكذا ما عاهدوا الله عليه .
وصور الله تعالى نكثهم بقوله:{ فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون76} أي أعرضوا عن الله تعالى بعد أن أدنوا أنفسهم منه سبحانه ،