قوله تعالى:{لَتُبْلَوُنَّ في أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذالِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ 186} .ذكر في هذه الآية الكريمة أن المؤمنين سيبتلون في أموالهم وأنفسهم ،وسيسمعون الأذى الكثير من أهل الكتاب والمشركين ،وأنهم إن صبروا على ذلك البلاء والأذى واتقوا اللَّه ،فإن صبرهم وتقاهم من عزم الأمور ،أي: من الأمور التي ينبغي العزم والتصميم عليها لوجوبها .
وقد بيّن في موضع آخر أن من جملة هذا البلاء: الخوف والجوع وأن البلاء في الأنفس والأموال هو النقص فيها ،وأوضح فيه نتيجة الصبر المشار إليها هنا بقوله:{فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ 186} ،وذلك الموضع هو قوله تعالى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيء مّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مّنَ الأمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشّرِ الصَّابِرِينَ 155 الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعونَ 156 أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ 157} ،وبقوله:{مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} ،ويدخل في قوله:{وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ} ،الصبر عند الصدمة الأولى ،بل فسره بخصوص ذلك بعض العلماء ،ويدل على دخوله فيه قوله قبله:{مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ} .
وبيّن في موضع آخر أن خصلة الصبر لا يُعطاها إلا صاحب حظٍ عظيم وبخت كبير ،وهو قوله:{وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظّ عَظِيمٍ 35} ،وبيّن في موضع آخر أن جزاء الصبر لا حساب له ،وهو قوله:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ 10} .