قوله تعالى:{إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ * إِنَّهُمْ كَانُواْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} .
بيَّن جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة: أن ذلك العذاب الذي فعله بهؤلاء المعذبين المذكورين في قوله تعالى:{إِنَّا لَذَائِقُونَ} [ الصافات: 31] ،أي: العذاب الأليم .وقوله تعالى:{فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ في الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [ الصافات: 33] ،أنه يفعل مثله من التعذيب والتنكيل بالمجرمين ،والمجرمون جمع مجرم ،وهو مرتكب الجريمة وهي الذنب الذي يستحق صاحبه عليه التنكيل الشديد ،ثم بيَّن العلَّة لذلك التعذيب ؛لأنها هي امتناعهم من كلمة التوحيد التي هي لا إله إلاّ اللَّه ،إذا طلب منهم الأنبياء وأتباعهم أن يقولوا ذلك في دار الدنيا .
فلفظة إنّ في قوله تعالى:{إِنَّهُمْ كَانُواْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} [ الصافات: 35] ،من حروف التعليل ؛كما تقرّر في الأصول في مسلك الإيماء والتنبيه .
وعليه فالمعنى:{كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ} لأجل أنهم كانوا في دار الدنيا ،إذا قيل لهم:{لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} ،أي: يتكبّرون عن قبولها ولا يرضون أن يكونوا أتباعًا للرّسل .
وهذا المعنى الذي دلّت عليه هذه الآية الكريمة ،من كون ذلك هو سبب تعذيبهم بالنار ،دلَّت عليه آيات ؛كقوله تعالى مبيّنًا دخولهم النار:{ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِىَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ فَالْحُكْمُ للَّهِ الْعَلِىّ الْكَبِيرِ} [ غافر: 12] ،وقوله تعالى في ذكر صفات الكفار وهم أهل النار:{وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [ الزمر: 45] .