قوله تعالى:{عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} .
المراد بشديد القوى في هذه الآية: هو جبريل عليه السلام ،والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم علمه هذا الوحي .ملك شديد القوى هو جبريل .
وهذه الآية الكريمة قد تضمنت أمرين:
أحدهما: أن هذا الوحي الذي من أعظمه هذا القرآن العظيم ،علمه جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بأمر من الله .
والثاني: أن جبريل شديد القوة .
وهذان الأمران جاءا موضحين في غير هذاالموضع .
أما الأول منهما وهو كون جبريل نزل عليه بهذا الوحي وعلمه إياه ،فقد جاء موضحاً في آيات من كتاب الله كقوله تعالى:{قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [ البقرة: 97] الآية .وقوله تعالى:{وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمين عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [ الشعراء: 192 -194] .وقوله تعالى:{وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ إَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} [ طه: 114] .وقوله تعالى:{لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءَانَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْءَانَهُ} [ القيامة: 16 -18] أي إذا قرأه عليك الملك المرسل به إليك منا مبلغاً له عنا فاتبع قرآنه ،أي اقرأ كما سمعته يقرأ .
وأما الأمر الثاني ،وهو شدة قوة جبريل النازل بهذا الوحي ،فقد ذكره في قوله:{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذي قُوَّةٍ عِندَ ذي الْعَرْشِ مَكِينٍ} [ التكوير: 19 -20] .وقوله في آية التكوير هذه:{لَقَوْلُ رَسُولٍ} أي لقوله المبلغ له عن الله ،فقرينة ذكر الرسول تدل على أنه إنما يبلغ شيئاً أرسل به ،فالكلام كلام الله بألفاظه ومعانيه ،وجبريل مبلغ عن الله ،وبهذا الاعتبار نسب القول له .لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما سمعه إلا منه ،فهو القول الذي أرسله الله به .وأمره بتبليغه ،كما تدل عليه قرينة ذكر الرسول ،وسيأتي إيضاح هذه المسألة إن شاء الله في سورة التكوير .والعلم عند الله تعالى .