قوله تعالى:{إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ} .
قال ابن كثير: قال ابن عباس حق .وكذا قال قتادة ،وقال آخرون: حكم عدل .وقال القرطبي: إنه أي القرآن ،يفصل بين الحق والباطل .
وقيل: هو ما تقدم من الوعيد في هذه السورة{إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} .
وقال أبو حيان بما قال به القرطبي أولاً ،ثم جوّز أن يكون مراداً به الثاني ،أي أن الإخبار عن رجع الإنسان يوم تبلى السرائر ،قول فصل ،وهذا ما يفيده كلام ابن جرير ،وعزاه النيسابوري إلى القفال .
وسياق السورة يشهد لهذا القول الثاني ،لأن السورة كلها في معرض إثبات القدرة على البحث ،وإعادة الإنسان بعد الفناء ،حيث تضمنت ثلاثة أدلة من أدلة البعث .
الأول: السماء ذات الطارق .لعظم خلقتها ،وعظم دلالتها على القدرة .
الثاني: خلق الإنسان أولاً من ماء دافق ،كما في قوله:{قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} .
الثالث: مجموع قوله:{وَالسَّماءِ ذَاتِ الرَّجْعِ 11 وَالأرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} ،أي إنزال المطر ،وإنبات النبات وهو إحياء الأرض بعد موتها .فناسب أن يكون الإقسام على تحقق البعث .
وأكد هذا ما جاء بعده من الوعيد بالإمهال رويداً ،وقد سمي يوم القيامة بيوم الفصل ،كما في قوله:{لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ 12 لِيَوْمِ الْفَصْلِ 13 وما أَدْرَاكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ 14 وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} .
وذكر الويل في هذه الآية للمكذبين يعادل الإمهال في هذه السورة للكافرين ،وإذا ربطنا بين القسم والمقسم عليه ،لكان أظهر وأوضح ،لأن رجع الماء بعد فنائه بتلقيح السحاب من جديد يعادل رجع الإنسان بعد فنائه في الأرض ،وتشقق الأرض عن النبات يناسب تشققها يوم البعث عن الخلائق ،واللَّه تعالى أعلم .