قوله تعالى:{فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ} .
الإنسان هنا خاص ببني آدم وذريته عامة ،ولم يدخل فيه آدم ولا حواء ولا عيسى عليه السلام لأنه بين ما خلق منه ،وهو في قوله تعالى:{خُلِقَ مِن ماءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} .
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه بيان هذه الآية عند قوله تعالى:{خَلَقَ الإِنْسَانَ مِن نُّطْفَةٍ} ،في سورة النحل ،وفي سورة الواقعة عند قوله تعالى:{أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ 58 أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ الْخَالِقُونَ} ،وتقدمت الإشارة إليه عند قوله تعالى:{إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} ،في سورة الدهر .
قوله تعالى:{إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} .
"إنه "هنا أي إن الله على رجعه ،الضمير فيه ،قيل: راجع للماء الدافق ،أي أنه سبحانه قادر على رجع هذا الماء من حيث خرج ،كرد اللبن إلى الضرع مثلاً ،ورد الطفل إلى الرحم ،وهذا مروي عن عكرمة ومجاهد .
وقيل: على رجع الإنسان بعد الموت ،وهذا وإن كان في الأول دلالة على القدرة ،ولا يقدر عليه إلاَّ اللَّه ،إلاَّ أن في السياق ما يدل على أن المراد ،هو الثاني لعدة أمور:
الأول: أن رد الماء لم يتعلق به حكم ولا أمر آخر سوى إثبات القدرة بخلاف رجع الإنسان بعد الموت ،فهو قضية الإيمان بالبعث .ويتعلق به كل أحكام يوم القيامة .
الثاني: مجيء القرآن بالخلق الأول ،دليل على الإعادة بعد الموت ،كقوله تعالى في يس:{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسي خَلْقَهُ}أي من ماء دافق{قَالَ مَن يُحييِ الْعِظَامَ وَهِىَ رَمِيمٌ 78 قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} ،أي من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب .
الثالث: أن الأول يحتاج معه إلى تقدير عامل ليوم تبلى السرائر ،نحو اذكر مثلاً بخلاف الثاني ،فإن العامل فيه: هو لقادر ،أي لقادر على رجعه يوم تبلى السرائر .
ونقل أبو حيان عن ابن عطية قوله: وكل من خالف ذلك إنما فر من أن يكون} لقادر{هو العامل في الظرف ،لأنه يوهم أن قدرته على رجعه مقيدة بذلك .ولكن بتأمل أسلوب العرب يعلم جوازه ،لأنه قال:{إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} على الإطلاق أولاً وآخراً ،وفي كل وقت ثم ذكر تعالى: وخصص من الأوقات الوقت الأهم على الكفار ،لأنه وقت الجزاء والوصول إلى العذاب للتحذير منه .ا ه .
فظهر بذلك أن الضمير في رجعه عائد للإنسان أي بعد موته بالبعث ،وأن العامل هو لقادر .