أعقب تمثيل الدينين ببيان آثارهما في أصحابهما .وابتُدىء بذكر أحوال المشركين لأنها أعجب والعبرة بها أولى والحذر منها مقدّم على التحلي بضدها ،ثم أعقب بذكر أحوال المؤمنين بقوله:{ قل لعبادي الذين آمنوا} الخ .
والاستفهام مستعمل في التشويق إلى رؤية ذلك .
والرؤية هنا بصرية لأن متعلقها مما يرى ،ولأن تعدية فعلها ب{ إلى} يرجح ذلك ،كما في قوله:{ ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه}[ سورة البقرة: 258] .
وقد نزل المخاطب منزلة من لم ير .والخطاب لمن يصح منه النظر إلى حال هؤلاء الذين بدلوا نعمة الله مع وضوح حالهم .
والكفر: كفران النعمة ،وهو ضد الشكر ،والإشراك بالله من كفران نعمته .
وفي قوله:{ بدلوا نعمة الله كفراً} محسن الاحتباك .وتقدير الكلام: بدلوا نعمة الله وشُكرَها كفراً بها ونقمةً منه ،كما دل عليه قوله:{ وأحلوا قومهم دار البوار} الخ .
واستعير التبديل لوضع الشيء في الموضع الذي يستحقه شيء آخر ،لأنه يشبه تبديل الذات بالذات .
والذين بدلوا هذا التبديل فريق معرفون ،بقرينة قوله:{ ألم تر إلى الذين} ،وهم الذين تلقوا الكلمة الخبيثة من الشيطان ،أي كلمة الشرك ،وهم الذين استكبروا من مشركي أهل مكة فكابروا دعوة الإسلام وكذّبوا النبي صلى الله عليه وسلم وشرّدوا من استطاعوا ،وتسببوا في إحلال قومهم دار البوار ،فإسناد فعل{ أحلوا} إليهم على طريقة المجاز العقلي .
ونعمة الله التي بدلوها هي نعمة أن بوّأهُم حرمه ،وأمنهم في سفرهم وإقامتهم ،وجعل أفئدة الناس تهوي إليهم ،وسلمهم مما أصاب غيرهم من الحروب والغارات والعدوان ،فكفروا بمن وهبهم هذه النعم وعبدوا الحجارة .ثم أنعم الله عليهم بأن بعث فيهم أفضل أنبيائه صلى الله عليهم جميعاً وهداهم إلى الحق ،وهيّأ لهم أسباب السيادة والنجاة في الدنيا والآخرة ،فبدّلو شكر ذلك بالكفر به ،فنعمة الله الكبرى هي رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ودعوة إبراهيم وبنيّته عليهم السلام .
وقومهم: هم الذين اتبعوهم في ملازمة الكفر حتى ماتوا كفاراً ،فهم أحق بأن يضافوا إليهم .
والبوار: الهلاك والخسران .وداره: محله الذي وقع فيه .
والإحلال بها الإنزال فيها ،والمراد بالإحلال التسبب فيه ،أي كانوا سبباً لحلول قومهم بدار البوار ،وهي جهنم في الآخرة ،ومواقع القتل والخزي في الدنيا مثل: موقع بدر ،فيجوز أن يكون{ دار البوار} جهنم ،وبه فسر علي وابن عبّاس وكثير من العلماء ،ويجوز أن تكون أرض بدر وهو رواية عن علي وعن ابن عباس .
واستعمال صيغة المضي في{ أحلوا} لقصد التحقيق لأن الإحلال متأخر زمنه فإن السورة مكية .
والمراد ب{ الذين بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار} صناديد المشركين من قريش ،فعلى تفسير{ دار البوار} بدار البوار في الآخرة يكون قوله{ جهنم} بدلاً من{ دار البوار} وجملة{ يصلونها} حالاً من{ جهنم} ،فتخص{ دار البوار} بأعظم أفرادها وهو النار ،ويجعل ذلك من ذكر بعض الأفراد لأهميته .