وقوله- سبحانه- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً.. الخطاب فيه للنبي صلى الله عليه وسلم أو لكل من يصلح للخطاب.
والاستفهام للتعجيب من أحوالهم الذميمة.
وبدلوا من التبديل بمعنى التغيير والتحويل، والمراد به:وضع الشيء في غير وضعه ومقابلة نعم الله بالجحود وعدم الشكر.
ونعمة الله التي بدلوها، تشمل كفرهم بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله- تعالى- لإخراجهم من الظلمات إلى النور، كما تشمل إكرام الله لهم- أى أهل مكة- بأن جعلهم في حرم آمن، وجعلهم سدنة بيته.. ولكنهم لم يشكروا الله على هذه النعم، بل أشركوا معه في العبادة آلهة أخرى.
قال صاحب الكشاف ما ملخصه:«قوله:بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ لأن شكرها الذي وجب عليهم وضعوا مكانه كفرا، فكأنهم غيروا الشكر إلى الكفر وبدلوه تبديلا.
وهم أهل مكة أسكنهم الله حرمه، وجعلهم قوام بيته، وأكرمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم فكفروا نعمة الله بدل ما لزمهم من الشكر العظيم، أو أصابهم الله بالنعمة في الرخاء والسعة لإيلافهم الرحلتين، فكفروا نعمته، فضربهم بالقحط سبع سنين، فحصل لهم الكفر بدل النعمة، وكذلك حين أسروا وقتلوا يوم بدر، قد ذهبت النعمة عنهم، وبقي الكفر طوقا في أعناقهم..» .
وقال الإمام ابن كثير ما ملخصه:«قال البخاري قوله:أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً.. حدثنا على بن عبد الله حدثنا سفيان، عن عمرو، عن عطاء، سمع ابن عباس قال:هم كفار أهل مكة.
ثم قال ابن كثير:وهذا هو الصحيح، وإن كان المعنى يعم جميع الكفار، فإن الله- تعالى- بعث محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، ونعمة للناس فمن قبلها وقام بشكرها دخل الجنة، ومن ردها وكفرها دخل النار ... ».
وما ذهب إليه صاحب الكشاف وابن كثير- رحمهما الله- هو الذي تطمئن إليه النفس، لأن مشركي مكة ومن سار على شاكلتهم تنطبق عليهم هذه الآية الكريمة.
وقد أورد بعض المفسرين هنا روايات في أن المراد بهؤلاء الذين بدلوا نعمة الله كفرا، بنو أمية وبنو مخزوم.. ولكن هذه الروايات بعيدة عن الصواب، ولا سند لها من النقل الصحيح» .
وقوله وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ معطوف على «بدلوا» لبيان رذيلة أخرى من رذائلهم المتعددة والمراد بقومهم:أتباعهم وشركاؤهم في الكفر والعناد حتى ماتوا على ذلك.
والبوار:الهلاك والخسران، ويطلق أيضا على الكساد. يقال:بار المتاع بوارا، إذا كسد، إذ الكاسد في حكم الهالك.
والمعنى:ألم تر- أيها العاقل- إلى حال هؤلاء المشركين، الذين قابلوا نعم الله عليهم بالكفر والجحود، وكانوا سببا في إنزال قومهم دار الهلاك والخسران.