أفضت مناسبة ذكر إبراهيم ويعقوب إلى أن يذكر موسى في هذا الموضع لأنه أشرف نبي من ذرية إسحاق ويعقوب .
والقول في جملة{ واذكر} وجملة{ إنه كان} كالقول في نظيريهما في ذكر إبراهيم عدا أن الجملة هنا غير معترضة بل مجرد استئناف .
وقرأ الجمهور مخلصاً بكسر اللام من أخلص القاصر إذا كان الإخلاص صفته .والإخلاص في أمر ما: الإتيانُ به غير مشوب بتقصير ولا تفريط ولا هوادة ،مشتق من الخلوص ،وهو التمحض وعدم الخلط .والمراد هنا: الإخلاص فيما هو شأنه ،وهو الرسالة بقرينة المقام .
وقرأه حمزة ،وعاصم ،والكسائي ،وخلف بفتح اللام من أخلصه ،إذا اصطفاه .
وخُص موسى بعنوان ( المخلص ) على الوجهين لأن ذلك مزيته ،فإنه أخلص في الدعوة إلى الله فاستخف بأعظم جبار وهو فرعون ،وجادله مجادلة الأكفاء ،كما حكى الله عنه في قوله تعالى في سورة الشعراء ( 18 ،19 ):{ قال ألم نربك فينا وليداً ولبثت فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين} إلى قوله: قال أولو جئتك بشيء مبين .وكذلك ما حكاه الله عنه بقوله:{ قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين}[ القصص: 17] ،فكان الإخلاص في أداء أمانة الله تعالى ميزته .ولأن الله اصطفاه لكلامه مباشرة قبل أن يرسل إليه المَلك بالوحي ،فكان مخلَصاً بذلك ،أي مصطفى ،لأن ذلك مزيته قال تعالى{ واصطنعتك لنفسي}[ طه: 41] .
والجمع بين وصف موسى لأنه رسول ونبيء .وعطف{ نبيئاً} على{ رسولاً} مع أن الرسول بالمعنى الشرعي أخص من النبي ،فلأن الرسول هو المرسلَ بوحي من الله ليبلغ إلى الناس فلا يكون الرسول إلا نبيئاً ،وأما النبي فهو المنبّأ بوحي من الله وإن لم يؤمر بتبليغه ،فإذا لم يؤمر بالتبليغ فهو نبيء وليس رسولاً ،فالجمع بينهما هنا لتأكيد الوصف ،إشارة إلى أن رسالته بلغت مبلغاً قوياً ،فقوله نبيئاً تأكيد لوصف رسولاً .
وتقدم اختلاف القراء في لفظ نبيئاً عند ذكر إبراهيم .