أنبياء من ذرية إبراهيم عليه السلام
الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم ، أمره سبحانه أن يذكر من ذرية إسحاق ويعقوب موسى وهارون ، ومن ذرية إبراهيم إسماعيل وهو أبو العرب ونبي العرب ، ومن ذريته محمد صلى الله عليه وسلم ، وذكر في البشارة به على أنه من أولاد عم بني إسرائيل لأنه أخو إسحاق وهو الكبير ، والكتاب هو القرآن ، وإذا أطلق الكتاب انصرف إليه ، لأن المطلق ينصرف إلى الفرد الأكمل ، والأكمل بين الكتاب هو القرآن ، لأنه كتاب الله تعالى بلفظه ومعناه{ نزل به الروح الأمين 193 على قلبك لتكون من المنذرين 194} ( الشعراء ) ، وإن الله أمر نبيه أن يذكره في القرآن ، لأنه سجل الأنبياء ومعجزاته ، وأخبارهم لا تعرف بطريق متواتر من غير تغيير ولا تبديل إلا عن طريقه . وكذلك معجزاته ، فإنها أحداث تقضت في وقتها وما عاينها من الأخلاف أحد ، ولكنها سجلت في القرآن المتواتر المحفوظ بوعد الله العظيم ،{ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون 9} ( الحجر ) ، وإن الله لا يخلف الميعاد وذكر موسى هنا في قوله تعالى:
{ واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا 51} .
ذكر موسى هنا لناحية معينة فيه وهي أنه من ذرية إبراهيم ، وقد وعد الله إبراهيم أن يؤنسه بأولاده وذريته عندما اعتزل أهله وما يعبدون فكافأه الله تعالى بأنس الولد والذرية ، واستجاب دعاءه أن يجعل له لسان صدق في الآخرين ، وكان من هذا اللسان الصادق أن يكون له ذرية من الأنبياء فكان منهم من أولى العزم موسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم .
وفي هذا الجزء من قصص موسى ذكر ما لم يذكر في مواضع كثيرة من قصصه ، وهو صفته التي كانت من أبرز صفاته أنه كان مخلصا ، قرئ ( مخلصا ) بكسر اللام ، و( مخلصا ) بفتحها والقراءتان متلاقيتان ، فقراءة الكسر معناها أنه أخلص نفسه الله ، وبدا ذلك في حياته ، فقد نشأ في بيت فرعون رافعا بعيشه مستمكنا بسلطان ، ومع ذلك نفر من دينه وملته ورضي بأن يكون من بني إسرائيل المستزلين المستضعفين في أرض مصر{. . .يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم . . . 49} ( البقرة ) ، ثم هاجر ابن النعمة الفرعونية إلى حيث يستأجر زارعا كادحا ، فأي شيء يدل على الإخلاص أكثر من هذا .
وعلى القراءة الثانية ، وهي قراءة فتح اللام يكون المعنى أن الله تعالى أخلصه له وجعله كليمه ، وذلك ثابت من حياة موسى عليه السلام ، فقد ولدته أمه في وقت فرعون وآله يذبحون أبنائهم ، فألهم سبحانه أم موسى أن تضعه في تابوت وتلقيه في اليم ، ويلتقطه آل فرعون ليكون في المستقبل عدوا لهم وحزنا ، وقد أرادوه قرة عين لهم{ وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت} ، أي أخته –{. . .هل أدلتكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون 12} ( القصص ) ، وبذلك رجع إلى أنه وخلص لها فتربى في مهدها وكنف فرعون ، وبذلك صنع على عين الله ، كما قال تعالى:{. . .لتصنع على عيني 39} ( طه ) فكيف بعدها لا يكون مخلصا وخالصا لله ، واختاره أن يكون له كليما .
وكل قراءة قرآن فيكون المعنيان مرادين بمجموع القراءتين ، فهو مخلص في شخصه ، وأخلصه الله سبحانه لذاته العلية .
الوصف الذي اصطفاه الذي اصطفاه الله تعالى به أن جعله رسولا نبيا ، فقال تعالى:{ وكان رسولا نبيا} ، الرسول- فيما يظهر من عبارات القرآن – من أرسل بكتاب مشتمل على أحكام ، والنبي من ينبأ مخاطية الله له بالوحي أو يرسل رسولا ، أو من وراء حجاب ، وقد كان موسى كذلك ، فقد أرسل بالتوراة فيها كل الشرائع المصلحة للإنسانية في رسالته وبعضها باق سجله القرآن ولم ينسخه .