قوله{ ورفعناه مكاناً علياً وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} قال جماعة من المفسرين هو رفع مجازي .والمراد: رفع المنزلة ،لما أوتيه من العلم الذي فاق به على من سلفه .ونقل هذا عن الحسن .وقال به أبو مسلم الأصفهاني .وقال جماعة: هو رفع حقيقي إلى السماء ،وفي الإصحاح الخامس من سفر التكوين « وسار أخنوخ مع الله ولم يُوجد لأنّ الله أخذه » ،وعلى هذا فرفعه مثل رفع عيسى عليه السلام .والأظهر أن ذلك بعد نزع روحه وروْحنة جثته .ومما يذكر عنه أنّه بقي ثلاث عشرة سنة لا ينام ولا يأكل حتى تَرَوْحَن ،فرفع .وأما حديث الإسراء فلا حجة فيه لهذا القول لأنه ذكر فيه عدة أنبياء غيره وجدوا في السماوات .ووقع في حديث مالك بن صعصعة عن الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماوات أنه وجد إدريس عليه السلام في السماء وأنه لمّا سلّم عليه قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح .فأخذ منه أنّ إدريس عليه السلام لم تكن له ولادةٌ على النبي صلى الله عليه وسلم لأنّه لم يقل له والابن الصالح ،ولا دليل في ذلك لأنه قد يكون قال ذلك اعتباراً بأخوّة التوحيد فرجحها على صلة النسب فكان ذلك من حكمته .
على أنّه يجوز أن يكون ذلك سهواً من الراوي فإن تلك الكلمة لم تثبت في حديث جابر بن عبدالله في « صحيح البخاري » .وقد جزم البخاري في أحاديث الأنبياء بأن إدريس جد نوح أو جدّ أبيه .وذلك يدلّ على أنّه لم ير في قوله « مرحباً بالأخ الصالح » ما يُنافي أن يكون أباً للنبيء صلى الله عليه وسلم .