قوله{ يَرِثُني} يعني به وراثة ماله .ويؤيّده ما أخرجه عبد الرزاق عن قتادة عن الحسن أن النبيء صلى الله عليه وسلم قال:"يرحم الله زكرياء ما كان عليه من وراثة ماله".
والظواهر تؤذن بأن الأنبياء كانوا يُورَثون ،قال تعالى:{ وورث سليمان داوود}[ النمل: 16] .وأما قول النبيء صلى الله عليه وسلم"نحن معشر الأنبياء لا نورث ما تركْنَا صدقةٌ"فإنما يريد به رسول الله نفسَه ،كما حمله عليه عُمر في حديثه مع العبّاس وعليّ في « صحيح البخاري » إذ قال عمر: « يريد رسول الله بذلك نفسه » ،فيكون ذلك من خصوصيات محمد صلى الله عليه وسلم فإن كان ذلك حكماً سابقاً كان مراد زكرياء إرث آثار النبوءة خاصة من الكتب المقدّسة وتقاييده عليها .
والموالي: العصبة وأقرب القرابة ،جمع مولى بمعنى الولي .
ومعنى:{ من ورائي} من بعدي ،فإن الوراء يطلق ويراد به ما بعد الشيء ،كما قال النّابغة:
وليس وراء الله للمرء مطلب
أي بعد الله .فمعنى{ من ورائي} من بعد حياتي .
و{ من ورائي} في موضع الصفة ل{ الموالي} أو الحال .
وامرأة زكرياء اسمها أليصابات من نسل هارون أخي موسى فهي من سبط لاوي .
والعاقر: الأنثى التي لا تلد ،فهو وصف خاص بالمرأة ،ولذلك جرد من علامة التأنيث إذ لا لبس .ومصدره: العُقر بفتح العين وضمها مع سكون القاف .وأتى بفعل ( كان ) للدلالة على أن العقر متمكن منها وثابت لها فلذلك حرم من الولد منها .
ومعنى{ مِنْ لَدنكَ} أنه من عند الله عندية خاصة ،لأنّ المتكلّم يعلم أنّ كلّ شيء من عند الله بتقديره وخلقه الأسْباب ومسبباتها تبعاً لخلقها ،فلما قال{ من لدنك} دلّ على أنه سأل ولياً غير جارٍ أمره على المعتاد من إيجاد الأولاد لانعدام الأسباب المعتادة ،فتكون هبته كرامة له .
ويتعلّق{ لِي} و{ مِن لَّدُنكَ} بفعل{ هَبْ} .وإنما قدم{ لِي} على{ مِن لدُنكَ} لأنه الأهم في غرض الداعي ،وهو غرض خاص يقدم على الغرض العام .
و{ يَرِثُني} قرأه الجمهور بالرفع على الصفة ل{ وَلِيَّا} .وقرأه أبو عمرو ،والكسائي بالجزم على أنه جواب الدعاء في قوله{ هَبْ لِي} لإرادة التسبب لأن أصل الأجوبة الثمانية أنها على تقدير فاء السببية .
و{ ءَال يَعْقُوبَ} يجوز أن يراد بهم خاصة بني إسرائيل كما يقتضيه لفظ{ آل} المشعر بالفضيلة والشرف ،فيكون يعقوب هو إسرائيل ؛كأنه قال: ويرث من آل إسرائيل ،أي حملة الشريعة وأحْبار اليهودية كقوله تعالى:{ فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة}[ النساء: 54] ،وإنما يذكر آل الرجل في مثل هذا السياق إذا كانوا على سننه ،ومن هذا القبيل قوله تعالى:{ إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}[ آل عمران: 68] وقولِه:{ ذرية من حملنا مع نوح}[ الإسراء: 3] ،مع أن الناس كلهم ذرية من حملوا معه .
ويجوز أن يراد يعقوب آخر غير إسرائيل .وهو يعقوب بن ماثان ،قاله: معقل والكلبي ،وهو عمّ مريم أخو عمران أبيها ،وقيل: هو أخو زكرياء ،أي ليس له أولاد فيكون ابنُ زكرياء وارثاً ليعقوب لأنه ابن أخيه ،فيعقوب على هذه هو من جملة الموالي الذين خافهم زكرياء من ورائه .