قَالُواْ ادع لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِىَ إِنَّ البقر تشابه عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَآءَ الله لَمُهْتَدُونَ}
القول في{ ما هي} كالقول في نظيره ،فإن كان الله تعالى حكى مرادف كلامهم بلغة العرب فالجواب لهم ب{ أنها بقرة لا ذلول} لما عُلم من أنه لم يبق من الصفات التي تتعلق الأغراض بها إلا الكرامة والنفاسة ،وإن كان المحكي في القرآن اختصاراً لكلامهم فالأمر ظاهر .على أن الله قد علم مرادهم فأنبأهم به .
وجملة{ إن البقرة تشابه علينا} مستأنفة استئنافاً بيانياً لأنهم علموا أن إعادتهم السؤال توقع في نفس موسى تساؤلاً عن سبب هذا التكرير في السؤال ،وقولهم{ إن البقرة تشابه علينا} اعتذار عن إعادة السؤال ،وإنما لم يعتذروا في المرتين الأوليين واعتذروا الآن لأن للثالثة في التكرير وقعاً في النفس في التأكيد والسآمة وغير ذلك ولذلك كثر في أحوال البشر وشرائعهم التوقيت بالثلاثة .
وقد جيء بحرف التأكيد في خبر لا يشك موسى في صدقه فتعين أن يكون الإتيان بحرف التأكيد لمجرد الاهتمام ثم يتوسل بالاهتمام إلى إفادة معنى التفريع والتعليل فتفيد ( إن ) مفاد فاء التفريع والتسبب وهو ما اعتنى الشيخ عبد القاهر بالتنبيه عليه في « دلائل الإعجاز » ومثله بقول بشار:
بَكّرا صاحِبَيَّ قبْلَ الهَجير *** إن ذاك النجاحَ في التبكير
تقدم ذكرها عند قوله تعالى:{ إنك أنت العليم الحكيم}[ البقرة: 32] في هذه السورة وذكر فيه قصة .
وقولهم:{ وإنا إن شاء الله لمهتدون تنشيط لموسى ووعد له بالامتثال لينشط إلى دعاء ربه بالبيان ولتندفع عنه سآمة مراجعتهم التي ظهرت بوارقها في قوله:{ فافعلوا ما تؤمرون}[ البقرة: 68] ولإظهار حسن المقصد من كثرة السؤال وأن ليس قصدهم الإعنات .تفادياً من غضب موسى عليهم .
والتعليق ب{ إن شاء الله} للتأدب مع الله في رد الأمر إليه في طلب حصول الخير .
والقول في وجه التأكيد في{ إنه يقول إنها بقرة} كالقول في نظيره الأول .