كان من جملة مطاعن المشركين في القرآن أنه ليس من عند الله ،ويقولون: تقوله محمد من عند نفسه ،وقالوا{ أساطير الأولين اكتتبها}[ الفرقان: 5] فدمغهم الله بأن تحدّاهم بالإتيان بمثله فعجزوا .
وقد أظهر الله بهتانهم في هذه الآية بأنهم إنما قالوا ذلك حيث جاءهم بالقرآن رسول عربي ،وأنه لو جاءهم بهذا القرآن رسول أعجمي لا يعرف العربية بأن أوحى الله بهذه الألفاظ إلى رسول لا يفهمها ولا يحسن تأليفها فقرأه عليهم ،وفي قراءته وهو لا يحسن اللغة أيضاً خارق عادة ؛لو كان ذلك لما آمنوا بأنه رسول مع أن ذلك خارق للعادة فزيادة قوله:{ عليهم} زيادة بيان في خرق العادة .يعني أن المشركين لا يريدون مما يلقونه من المطاعن البحث عن الحق ولكنهم أصروا على التكذيب وطفقوا يتحملون أعذاراً لتكذيبهم جحوداً للحق وتستراً من اللائمين .
وجملة:{ ولو نزلناه على بعض الأعجمين} معطوفة على جملة:{ نزل به الروح الأمين على قلبك} إلى قوله:{ بلسان عربي مبين}[ الشعراء: 193 195] لأن قوله:{ على قلبك} أفاد أنه أوتيه من عند الله وأنه ليس من قول النبي لا كما يقول المشركون: تَقَوَّله ،كما أشرنا إليه آنفاً .
فلما فرغ من الاستدلال بتعجيزهم فضح نياتهم بأنهم لا يؤمنون به في كل حال ،قال تعالى:{ إن الذين حقت عليهم كلمات ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كلُّ آية}[ يونس: 96 ،97] .
و{ الأعجمين} جمع أعجم .والأعجم: الشديد العُجمة ،أي لا يحسن كلمة بالعربية ،وهو هنا مرادف أعجمي بياء النسب فيصح في جمعه على أعجمين اعتبارُ أنه لا حذف فيه باعتبار جمع أعجم كما قال حميد بن ثور يصف حمامة:
ولم أر مثلي شاقه لفظ مثلها *** ولا عربياً شاقه لفظُ أعجما
ويصح اعتبار حذف ياء النسب للتخفيف .وأصله: الأعجميين كما في الشعر المنسوب إلى أبي طالب:
وحيثُ ينيخ الأشْعَرُون رِحالهم *** بملقَى السيول بين سَافٍ ونائل
أي الأشعريون ،وعلى هذين الاعتبارين يحمل قول النابغة:
فعودا له غسان يرجون أَوْبَهُ *** وترك ورهط الأعْجمين وكابُل