قد أشعر قوله{ إنا مهلكوا أهل هذه القرية}[ العنكبوت: 31] أن الملائكة يحلون بالقرية واقتضى ذلك أن يخبروا لوطاً بحلولهم بالقرية ،وأنهم مرسلون من عند الله استجابة لطلب لوط النصر على قومه ،فكان هذا المجيء مقدراً حصوله ،فمن ثم جعل شرطاً لحرف{ لما} كما تقدم آنفاً في قوله{ ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى}[ العنكبوت: 31] .
و{ أن} حرف مزيد للتوكيد وأكثر ما يزاد بعد{ لما} وهو يفيد تحقيق الربط بين مضمون الجملتين اللتين بعد{ لما} ،فهي هنا لتحقيق الربط بين مجيء الرسل ومساءة لوط بهم .ومعنى تحقيقه هنا سرعة الاقتران والتوقيت بين الشرط والجزاء تنبيهاً على أن الإساءة عقبت مجيئهم وفاجأته من غير ريث ،وذلك لما يعلم من عادة معاملة قومه مع الوافدين على قريتهم فلم يكون لوط عالماً بأنهم ملائكة لأنهم جاءوا في صورة رجال فأريد هنا التنبيه على أن ما حدث به من المساءة وضيق الذرع كان قبل أن يعلم بأنهم ملائكة جاءوا لإهلاك أهل القرية وقبل أن يقولوا{ لا تخف ولا تحزن} .
ولم تقع{ أن} المؤكدة في آية سورة هود لأن في تلك السورة تفصيلاً لسبب إساءته وضيق ذرعه فكان ذلك مغنياً عن التنبيه عليه في هذه الآية فكان التأكيد هنا ضرباً من الإطناب .وقد تقدم تفصيل ذلك في سورة هود وتفسيرها هناك .
وبناء فعل{ سيء} للمجهول لأن المقصود حصول المفعول دون فاعله .
وعطف عليه جملة{ وقالوا لا تخف} لأنها من جملة ما وقع عقب مجيء الرسل لوطاً .وقد طويت جمل دل عليها قوله{ إنا مُنَجُّوك وأهلك} وهي الجمل التي ذكرت معانيها في قوله{ وجاءه قومه يهرعون إليه} إلى قوله{ قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يَصِلُوا إليك} في سورة[ هود: 78 81] .وقدّموا تأمينه قبل إعلامه بأنهم منزلون العذاب على أهل القرية تعجيلاً بتطمينه .
وعطفُ{ ولا تحزن} على{ لا تخف} جمع بين تأمينه من ضرّ العذاب وبين إعلامه بأن الذين سيهلكون ليسوا أهلاً لأن يحزن عليهم ،ومن أولئك امرأته لأنه لا يحزن على من ليس بمؤمن به .
وجملة{ إنا منجوك} تعليل للنهي عن الأمرين .
واستثناء امرأته من عموم أهله استثناء من التعليل لا من النهي ،ففي ذلك معذرة له بما عسى أن يحصل له من الحزن على هلاك امرأته مع أنه كان يحسبها مخلصة له ،وقد بيّنا وجه ذلك في تفسير سورة هود .
وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي{ مُنْجوك} بسكون النون .وقرأ الباقون بفتح النون وتشديد الجيم .