قوله:{ كدأب ءال فرعون} موقع كاف التشبيه موقع خبرٍ لمبتدأ محذوف يدل عليه المشبّه به ،والتقدير: دأبُهم في ذلك كدأب آل فرعون ،أي عادتهم وشأنهم كشأن آل فرعون .
والدأب: أصله الكَدْح في العمل وتكريره ،وكأنّ أصل فعله متعدَ ،ولذلك جاء مصدره على فَعْل ،ثم أطلق على العادة لأنّها تأتي من كثرة العمل ،فصار حقيقة شائعة قال النابغة:
* كدأبِك في قومٍ أرَاكَ اصطنعتَهُم *
أي عادتك ،ثم استعمل بمعنى الشَّأن كقول امرىء القيس
* كدأبك من أم الحُويرث قبلَها *
وهو المراد هنا ،في قوله:{ كدأب ءال فرعون} ،والمعنى: شأنهم في ذلك كشأن آل فرعون ؛إذ ليس في ذلك عادة متكرّرة ،وقد ضرب الله لهم هذا المثل عبرة وموعظة ؛لأنّهم إذا استقْرَوْا الأمم التي أصابها العذاب ،وجدوا جميعهم قد تماثلوا في الكفر: بالله ،وبرسله ،وبآياته ،وكفَى بهذا الاستقراء موعظة لأمثال مشركي العرب ،وقد تعيّن أن يكون المشبّه به هو وعيد الاستئصال والعذاب في الدنيا ؛إذ الأصل أنّ حال المشبّه ،أظهر من حال المشبّه به عند السامع .
وعليه فالأخذ في قوله:{ فأخذهم الله بذنوبهم} هو أخذ الانتقام في الدنيا كقوله:{ أخذناهم بغتة فإذا هم مُبلسون فقطع دابر القوم الذي ظلموا}[ الأنعام: 44 ،45] .
وأريد بآل فرعون فرعون وآلهُ ؛لأنّ الآل يطلق على أشدّ الناس اختصاصاً بالمضاف إليه ،والاختصاص هنا اختصاص في المتابعةِ والتواطؤ على الكفر ،كقوله:{ أدْخِلُوا ءال فرعون أشدّ العذاب}[ غافر: 46] فلذكر الآل هنا من الخصوصية ما ليس لذكر القوم ؛إذ قوم الرجل قد يخالفون ،فلا يدل الحكم المتعلّق بهم على أنّه مساوٍ لهم في الحكم ،قال تعالى:{ ألا بعداً لعاد قوم هود}[ هود: 60] في كثير من الآيات نظائرها ،وقال:{ أن ائْتِ القومَ الظالمين قومَ فرعون}[ الشعراء: 10 ،11] .
وقوله: « كذبوا » بيان لدأبهم ،استئناف بياني .وتخصيص آل فرعون بالذكر من بين بقية الأمم لأنّ هلكهم معلوم عند أهل الكتاب ،بخلاف هلك عاد وثمود فهو عند العرب أشهر ؛ولأنّ تحدّي موسى إياهم كان بآيات عظيمة فما أغنتهم شيئاً تُجاه ضلالهم ؛ولأنّهم كانوا أقرب الأمم عهداً بزمان النبي صلى الله عليه وسلم فهو كقول شعيب:{ وما قوم لوط منكم ببعيد}[ هود: 89] وكقول الله تعالى للمشركين:{ وإنّها لبسبيل مقيم}[ الحجر: 76] وقوله:{ وإنّهما لبإمام مبين}[ الحجر: 79] وقوله:{ وإنّكم لَتَمُرُّون عليهم مُصبحين وبالليلِ أفلا تعقلون}[ الصافات: 137 ،138] .