إعادةُ النداء في قول الملائكة:{ يا مريم اقنتي} لقصد الإعجاب بحالها ،لأنّ النداء الأول كفى في تحصيل المقصود من إقبالها لسماع كلام الملائكة ،فكان النداء الثاني مستعملاً في مجرّد التنبيه الذي ينتقل منه إلى لازمِه وهو التنويه بهذه الحالة والإعجاب بها ،ونظيره قول امرىء القيس:
تقول وقد مال الغَبيط بنا معَا *** عقرتَ بعيري يا امرأ القيس فانْزِل
( فهو مستعمل في التنبيه المنتقل منه إلى التوبيخ ) .
والقنوت ملازمة العبادة ،وتقدم عند قوله تعالى:{ وقوموا للَّه قانتين} في سورة[ البقرة: 238] .
وقدم السجود ،لأنّه أدخل في الشكر والمقَام هنا مقام شكر .
وقوله:{ مع الراكعين} إذن لها بالصلاة مع الجماعة ،وهذه خصوصية لها من بين نساء إسرائيل إظهاراً لمعنى ارتفاعها عن بقية النساء ،ولذلك جيء في الراكعين بعلامة جمع التذكير .
وهذا الخطاب مقدمة للخطاب الذي بعده وهو{ يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه}[ آل عمران: 45] لقصد تأنيسها بالخبر الموالي لأنه لما كان حاصله يَجلب لها حَزناً وسوء قالة بين الناس ،مهّد له بما يجلب إليها مَسرّة ،ويوقنها بأنّها بمحل عناية الله ،فلا جرم أن تعلم بأنّ الله جاعل لها مخرجاً وأنّه لا يخزيها .
وقوله:{ وما كنت لديهم} إيماء إلى خلوّ كتبهم عن بعض ذلك ،وإلاّ لقال: وما كنت تتلو كُتبهم مثل: « وما كنت تتلو من قبله من كتاب » أي إنّك تخبرهم عن أحوالهم كأنّك كنت لديهم .