الأمر للنبيء صلى الله عليه وسلم بالصبر تفرع على جملة{ ولئن جِئْتَهم بآية}[ الروم: 58] لتضمنها تأييسه من إيمانهم .وحذف متعلق الأمر بالصبر لدلالة المقام عليه ،أي اصبر على تعنتهم .وجملة{ إن وعد الله حق} تعليل للأمر بالصبر وهو تأنيس للنبيء صلى الله عليه وسلم بتحقيق وعد الله من الانتقام من المكذبين ومن نصر الرسول عليه الصلاة والسلام .
والحق: مصدر حَقّ يحِقّ بمعنى ثبت ،فالحق: الثابت الذي لا ريب فيه ولا مبالغة .
والاستخفاف: مبالغة في جعله خفيفاً فالسين والتاء للتقوية مثلها في نحو: استجاب واستمسك ،وهو ضد الصبر .والمعنى: لا يحملُنّك على ترك الصبر .والخفة مستعارة لحالة الجزع وظهور آثار الغضب .وهي مثل القلق المستعار من اضطراب الشيء لأن آثار الجزع والغضب تشبه تقلقل الشيء الخفيف ،فالشيء الخفيف يتقلقل بأدنى تحريك ،وفي ضده يستعار الرسوخ والتثاقل .وشاعت هذه الاستعارات حتى ساوت الحقيقة في الاستعمال .
ونهي الرسول عن أن يستخفه الذين لا يوقنون نهي عن الخفة التي من شأنها أن تحدث للعاقل إذا رأى عناد من هو يرشده إلى الصلاح ،وذلك مما يستفز غضب الحليم ،فالاستخفاف هنا هو أن يؤثروا في نفسه ضد الصبر ،ويأتي قوله تعالى{ فاستَخَفّ قومَه فأطاعوه} في سورة الزخرف ( 54 ) ،فانظره إكمالاً لما هنا .وأسند الاستخفاف إليهم على طريقة المجاز العقلي لأنهم سببه بما يصدر من عنادهم .
والذين لا يوقنون: هم المشركون الذين أجريت عليهم الصفات المتقدمة من الإجرام ،والظلم ،والكفر ،وعدم العلم ؛فهو إظهار في مقام الإضمار للتصريح بمساويهم .قيل: كان منهم النضر بن الحارث .ومعنى{ لا يوقنون} أنهم لا يوقنون بالأمور اليقينية ،أي التي دلت عليها الدلائل القطعية فهم مكابرون .