استئناف ابتدائي جار على طريقة حكاية المقاولات لأن جملة{ قل} في معنى جواب لقولهم{ أإذا ضللنا في الأرض إنّا لفي خلق جديد}[ السجدة: 10]؛أمر الرسول عليه الصلاة والسلام أن يعيد إعلامهم بأنهم مبعوثون بعد الموت .فالمقصود من الجملة هو قوله{ ثم إلى ربكم ترجعون} إذ هو مناط إنكارهم ،وأما إنهم يتوفّاهم ملك الموت فذكره لتذكيرهم بالموت وهم لا ينكرون ذلك ولكنهم ألهتهم الحياة الدنيا عن النظر في إمكان البعث والاستعداد له فذكروا به ثم أدمج فيه ذكر ملك الموت لزيادة التخويف من الموت والتعريض بالوعيد من قوله{ الذي وُكِّل بكم} فإنه موكل بكل ميت بما يناسب معاملته عند قبض روحه .وفيه إبطال لجهلهم بأن الموت بيد الله تعالى وأنه كما خلقهم يميتهم وكما يميتهم يحييهم ،وأن الإماتة والإحياء بإذنه وتسخير ملائكته في الحالين .وذلك إبطال لقولهم{ ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا}[ الجاثية: 24] فأعلمهم الله أنهم لا يخرجون عن قبضة تصرفه طرفة عين لا في حال الحياة ولا في حال الممات .وإذا كان موتهم بفعل ملك الموت الموكل من الله بقبض أرواحهم ظهر أنهم مردودة إليهم أرواحهم متى شاء الله .
والتوفّي: الإماتة .وتقدم في قوله تعالى:{ وهو الذي يتوفاكم بالليل} في سورة الأنعام ( 60 ) ،وقوله:{ ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة} في سورة الأنفال ( 50 ) .
وملك الموت هو الملك الموكّل بقبض الأرواح وقد ورد ذكره في القرآن مفرداً كما هنا وورد مجموعاً في قوله:{ ولو تَرى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة} في سورة الأنفال ( 50 ) ،وقوله:{ تَوفّتْه رسُلُنا} في سورة الأنعام ( 61 ) ،وذلك أن الله جعل ملائكة كثيرين لقبض الأرواح وجعل مُبلِّغ أمر الله بذلك عزرائيل فإسناد التوفّي إليه كإسناده إلى الله في قوله{ الله يتوفّى الأنفس}[ الزمر: 42] ،وجعل الملائكة الموكلين بقبض الأرواح أعواناً له وأولئك يسلمون الأرواح إلى عزرائيل فهو يقبضها ويودعها في مقارها التي أعدها الله لها ،ولم يرد اسم عزرائيل في القرآن .وقيل: إن ملك الموت في هذه الآية مراد به الجنس فتكون كقوله{ توفته رسلنا}[ الأنعام: 61] .