{قُلْ يَتَوَفاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} فقد كنتم في حياتكم مشدودين إلى ملك الله ومرتبطين بإرادته ،وها أنتم في قبضة الموت خاضعون له ،فقد وكل ملك الموت بكم ليتوفاكم عندما يبلغ العمر نهايته ،في النظام الإِلهيّ للموت ،كما هو النظام الإِلهيّ للحياة ،في الخطة الإلهية الشاملة التي تحكم الموت والحياة ،وتبدع الحياة في الأجزاء الضائعة في التراب كما أعطت الحياة للتراب الضائع في ذرات العناصر التي يتكون منها الغذاء ،فأين المشكلة ،هل هي في قدرة الله ،أو هي في علم الله في مواقع أجزاء الجسد ؟{ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} وهنا يتدخل عنصر الخطاب الإِلهي في مسألة البعث بعد أن كان الحديث بطريق الحكاية في أسلوب الغيبة ،ليشعر الناس بالحضور الإِلهي القويّ المهيمن الذي يختصر لهم كل المسألة ،ويهدم كل شبهاتهم ،فهو الرب العظيم القادر العليم الجبار القاهر المتكبر يتحدث إليهم بشكل مباشر ليؤكد لهم العودة إليه بطريقة حاسمة .
وربما قرّر البعض حجة المنكربن للبعث من خلال هذه الآية ،بأن تفتت أجزاء البدن الذي يؤدي إلى تلاشيه يبطل شخصية الإنسان فينعدم ولا معنى لإِعادة المعدوم .
وقفة مع صاحب الميزان
ويرد عليها صاحب الميزان بقوله:«إن حقيقة الإنسان هي نفسه التي يحكي عنها بقول «أنا » وهي غير البدن ،والبدن تابعٌ لها في شخصيته ،وهي لا تتلاشى بالموت ولا تنعدم ،بل محفوظةٌ في قدرة الله حتى يؤذن في رجوعها إلى ربها للحساب والجزاء ،فيبعث على الشريطة التي ذكر الله سبحانه » ثم يتابع قوله: «إن الآية من أوضح الآيات القرآنية الدالة على تجرّد النفس بمعنى كونها غير البدن أو شيءٍ من حالات البدن » .
وقد نلاحظ على هذا الردّ والاستنتاج ،بأنَّ لقائل أن يقول: إن حقيقة الإنسان التي يعبر عنها بقوله «أنا » هي هذا الوجود الحيّ المتحرك الذي يمثله الجسد الذي تدب فيه الحياة ،ويتحرك فيه العقل والإِرادة ،لا النفس المجرّدة ،لأنّ الملحوظ في الشعور الإنساني في شعور الشخص بذاته ،أنه يختزن إحساسه بالجسد كمظهرٍ حيٍّ للذات ،ولذا يقال: هذا أنا بلحمي ودمي ،أو هذا فلان بعينه .بل ربما نستطيع التأكيد على أن القصد إلى الروح ليس وارداً في التصور ،بل هي شيء خفيٌّ من حالات البدن من خلال الإحساس بالحياة فيه .
أمّا الردّ على مسألة نفي إعادة المعدوم ،فيمكن التأكيد فيه على بقاء الجسد بذراته المادية الترابية ،وعلى انطلاق الحياة من موقع قدرة الله في ما تعبر عنه الآية{وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِين} [ الحجر:29] ،ما يوحي بأن الحياة هبة من الله تنطلق من الإرادة ،وليست شيئاً عضوياً يتلاشى ويموت وينعدم .