تفريع على قوله:{ ومن الجن من يعمل بين يديه} إلى قوله:{ وقدور راسيات}[ سبأ: 12 ،13] أي دام عملهم له حتى مات{ فلما قضينا عليه الموت} إلى آخره .ولا شك أن ذلك لم يطل وقتُه لأن مثله في عظمةِ ملكه لا بد أن يفتقده أتباعُه ،فجملة{ ما دلهم على موته} الخ جواب « لمَّا قضينا عليه الموت » .
وضمير{ دلهم} يعود إلى معلوم من المقام ،أي أهلَ بَلاطه .
والدلالة: الإِشْعار بأمر خفيّ .وتقدم ذلك عند قوله تعالى:{ وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل}[ سبأ: 7] .
و{ دابة الأرض} هي الأَرَضَة ( بفتحات ثلاث ) وهي السُّرْفة بضم السين وسكون الراء وفتح الفاء لا محالة وهاء تأنيث: سوس ينخر الخشب .فالمراد من الأرض مصدرُ أَرَضَت السُّرفَة الخَشَبَ من باب ضَرب ،وقد سخر الله لمنساة سليمان كثيراً من السُرْف فتعَجَّل لها النخر .
وجملة{ فلما خر} مفرعة على جملة{ ما دلهم على موته} .وجملة{ تبينت الجن} جواب « لمّا خرّ » .والمِنساة بكسر الميم وفتحها وبهمزة بعد السين ،وتخفَّفُ الهمزة فتصير ألفاً هي العَصا العظيمة ،قيل: هي كلمة من لغة الحبشة .
وقرأ نافع وأبو عَمرو بألف بعد السين .وقرأه ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف وهشام عن ابن عامر بهمزة مفتوحة بعد السين .وقرأه ابن ذكوان عن ابن عامر بهمزة ساكنة بعد السين تخفيفاً وهو تخفيف نادر .
وقرأ الجمهور:{ تبينت الجن} بفتح الفوقية والموحدة والتحتية .وقرأه رُويس عن يعقوب بضم الفوقية والموحدة وكسر التحتية بالبناء للمفعول ،أي تبين الناس الجنّ .و{ أن لو كانوا يعلمون} بدل اشتمال من الجن على كلتا القراءتين .
وقوله:{ تبينت الجن} إسنادُ مُبهم فصَّله قوله:{ أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين} ف{ أَن} مصدرية والمصدر المنسبك منها بدل من{ الجن} بدلَ اشتمال ،أي تبينت الجنُّ للناس ،أي تبين أمرهم أنهم لا يعلمون الغيب ،أي تبين عدم علمهم الغيب ،ودليل المحذوف هو جملة الشرط والجواب .
و{ العذاب المهين}: المذل ،أي المؤلم المتعب فإنهم لو علموا الغيب لكان علمهم بالحاصل أزَليًّا ،وهذا إبطال لاعتقاد العامة يومئذٍ وما يعتقده المشركون أن الجن يعلمون الغيب فلذلك كان المشركون يستعلِمون المغيبات من الكهان ،ويزعمون أن لكل كاهن جِنِّيًّا يأتيه بأخبار الغيب ،ويسمونه رَئيًّا إذ لو كانوا يعلمون الغيب لكان أن يعلموا وفاة سليمان أهونَ عليهم .