آخر آية من هذه الآيات ،وهي آخر حديث عن النّبي سليمان ( عليه السلام ) ،يخبرنا الله سبحانه وتعالى فيها بطريقة موت ذلك النّبي العجيبة والداعية للإعتبار ،فيوضّح تلك الحقيقة الساطعة ،وهي كيف أنّ نبيّاً بتلك العظمة وحاكماً بكلّ تلك القدرة والاُبّهة ،لم يستطع حين أخذ الموت بتلابيبه من أن يستلقي على سرير مريح ،وانتزعت روحه من بدنه بتلك السهولة والسرعة .يقول تعالى: ( فلمّا قضينا عليه الموت ما دلّهم على موته إلاّ دابة الأرض تأكل منسأته ){[3483]} .
يستفاد من تعبير الآية ومن الروايات المتعدّدة الواردة في تفسيرها ،أنّ سليمان كان واقفاً متّكئاً على عصاه حين فاجأه الموت واستلّ روحه من بدنه ،وبقي جثمان سليمان مدّة على حالته ،حتّى أكلت الأُرضةُالتي عبّر عنها القرآن ب «دابّة الأرض »عصاه ،فاختلّ توازنه وهوى على الأرض ،وبذا عُلم بموته .
لذا تضيف الآية بعد ذلك ( فلمّا خرّ تبيّنت الجنّ أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ) .
جملة «تبيّنت » من مادّة «بيّن » عادةً بمعنى ( اتّضح ) ( وهو فعل لازم ) .وأحياناً يأتي أيضاً بمعنى «العلم والإطلاع » ( فعل متعد ) .وهنا يتناسب الحال مع المعنى الثاني .بمعنى أنّ الجنّ لم يعلموا بموت سليمان إلى ذلك الوقت ،ثمّ علموا وفهموا أنّهم لو كانوا يعلمون الغيب لما بقوا حتّى ذلك الحين في تعب وآلام الأعمال الشاقّة التي كلّفوا بها .
جمع من المفسّرين أخذ المعنى بالحالة الاُولى ،وقال: إنّ مقصود الآية هو أنّه بعد أن هوى جثمان سليمان ( عليه السلام ) إلى الأرض اتّضحت حقيقة الجنّ للناس ،وأنّهملا يعلمون شيئاً من الغيب ،وعبثاً كان اعتقاد البعض بإطّلاع الجنّ على الغيب{[3484]} .
( العذاب المهين ) هذا التعبير قد يكون إشارة إلى الأعمال الشاقّة التي كان سليمان ( عليه السلام ) يعهد بها إلى مجموعة من الجنّ كنوع من العقاب ،وإلاّ فإنّ نبيّ اللهلا يمكن أن يضع أحداً في العذاب عبثاً ،وهو على ما يبدو عذاب مذلّ .
/خ14