مورد التنزيه في قول الملائكة{ سبحانك} هو أن يكون غير الله مستحقاً أن يعبد ،مع لازم الفائدة وهو أنهم يعلمون ذلك فلا يضرون بأن يكونوا مَعبودين .
والولي: الناصر والحَليف والصديق ،مشتق من الوَلْي مصدر وَلِيَ بوزن عَلِم .وكلٌّ من فاعل الوَلْي ومفعوله وليّ لأن الوَلاية نسبة تستدعي طرفين ولذلك كان الولي فعيلاً صالحاً لمعنى فاعل ولمعنى مفعول .
فيقع اسم الولِيّ على المُوالِي بكسر اللام وعلى المُوالَى بفتحها وقد ورد بالمعنيين في القرآن وكلام العرب كثيراً .
فمعنى{ أنت ولينا} لا نوالي غيرك ،أي لا نرضى به وليّاً ،والعبادةُ ولاية بين العابد والمعبود ،ورضَى المعبود بعبادة عابده إياه ولايةٌ بين المعبود وعابده ،فقول الملائكة{ سبحانك} تبرؤ من الرضى بأن يعبدهم المشركون لأن الملائكة لما جعلوا أنفسهم موالين لله فقد كذبوا المشركين الذين زعموا لهم الإِلهية ،لأن العابد لا يكون معبوداً .وقد تقدم الكلام على لفظ ( ولي ) عند قوله تعالى:{ قل أغير اللَّه أتخذ ولياً} في سورة الأنعام ( 14 ) وفي آخر سورة الرعد .
و{ مِن} زائدة للتوكيد و ( دون ) اسم لمعنى غير ،أي أنت ولينا وهم ليسوا أولياء لنا ولا نرضى بهم لكفرهم ف{ من دونهم} تأكيد لما أفادته جملة{ أنت ولينا} من الحَصر لتعريف الجزأين .
و{ بل} للإِضراب الانتقالي انتقالاً من التبرؤ منهم إلى الشهادة عليهم وعلى الذين سَوّلوا لهم عبادة غير الله تعالى ،وليس إضراب إبطال لأن المشركين المتحدث عنهم كانوا يعبدون الملائكة ،والمعنى: بل كان أكثر هؤلاء يعبدون الجن وكان الجنّ راضين بعبادتهم إياهم .وحاصل المعنى: أنا منكرون عبادتهم إياناً ولم نأمرهم بها ولكن الجن سوّلت لهم عبادة غير الله فعبدوا الجن وعبدوا الملائكة .
وجملة{ أكثرهم} للمشركين وضمير{ بهم} للجن ،والمقام يردّ كل ضمير إلى معاده ولو تماثلت الضمائر كما في قول عباس بن مرداس يوم حنين:
عُدنا ولولا نحن أحدق جمعهم *** بالمسلمين وأحرزوا ما جَمَّعوا
أي أحرز جَمْع المشركين ما جَمَّعه المسلمون من مغانم .
وقرأ الجمهور{ نحشرهم} و{ نقول} بنون العظمة .وقرأ حفص عن عاصم بياء الغائب فيهما ،والضمير عائد إلى{ ربي} من قوله:{ قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له}[ سبأ: 39] .