الجملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً وقوله:{ اليَوْمَ} ظرف متعلق ب{ نَخْتِمُ} .
والقول في لفظ{ اليوم} كالقول في نظائره الثلاثة المتقدمة ،وهو تنويه بذكره بحصول هذا الحال العجيب فيه ،وهو انتقال النطق من موضعه المعتاد إلى الأيدي والأرجل .
وضمائر الغيبة في{ أفواههم أيديهم أرجلهم يكسبون عائدة على الذين خوطبوا بقوله:{ هذه جهنَّمُ التي كُنتم تُوعَدُون}[ يس: 63] على طريقة الالتفات .وأصل النظم: اليوم نختم على أفواهكم وتكلمنا أيديكم وتشهد أرجلكم بما كنتم تكسبون .ومواجهتهم بهذا الإِعلام تأييس لهم بأنهم لا ينفعهم إنكار ما أُطلعوا عليه من صحائف أعمالهم كما قال تعالى:{ إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً}[ الإسراء: 14] .
وقد طوي في هذه الآية ما ورد تفصيله في آي آخر فقد قال تعالى:{ ويوم نحشرهم جميعاً ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين}[ الأنعام: 2223] وقال:{ وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون فكفى بالله شهيداً بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين}[ يونس: 2829] .
وفي « صحيح مسلم » عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"يخاطب العبد ربّه يقول: يا رب ألم تُجرني من الظلم ؟فيقول: بلى ،فيقول: إني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني ،فيقول الله: كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً ،فيُخْتم على فيه .فيقال لأركانه: انطقي ،فتنطق بأعماله ثم يخلّى بينه وبين الكلام فيقول: بعداً لكنَّ وسُحْقاً فعنكُنّ كنتُ أناضل"وإنما طُوِي ذكر الداعي إلى خطابهم بهذا الكلام لأنه لم يتعلق به غرض هنا فاقتصر على المقصود .
وقد يخيل تعارض بين هذه الآية وبين قوله:{ يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون}[ النور: 24] .ولا تعارض لأن آية يس في أحوال المشركين وآية سورة النور في أحوال المنافقين .والمراد بتكلم الأيدي تكلمها بالشهادة ،والمراد بشهادة الأرجل نطقها بالشهادة ،ففي كلتا الجملتين احتباك .والتقدير: وتكلمنا أيديهم فتشهد وتكلمنا أرجلهم فتشهد .
ويتعلق{ بِمَا كانُوا يَكْسِبون} بكل من فعلي{ تكلمنا وتشهد} على وجه التنازع .وما يكسبونه: هو الشرك وفروعه .وتكذيبهم الرسول صلى الله عليه وسلم وما ألحقوا به من الأذى .