الفاء للتفريع لأن شأن المتجالسين في مسرّة أن يشرعوا في الحديث فإن في الحديث مع الأصحاب والمنتدمين لذة كما قال محمد بن فياض:
وما بقيتْ من اللذات إلا *** أحاديثُ الكرام على الشراب
فإذا استشعروا أن ما صاروا إليه من النعيم كان جزاء على ما سبق من إيمانهم وإخلاصهم تذكر بعضُهم مَن كان يجادله في ثبوت البعث والجزاء فحمِد الله على أن هدَاه لعدم الإِصغاء إلى ذلك الصّادِّ فحدث بذلك جلساءه وأراهم إياه في النار ،فلذلك حكي إقبال بعضهم على بعض بالمساءلة بفاء التعقيب .وهذا يدلّ على أن الناس في الآخرة تعود إليهم تذكراتهم التي كانت لهم في الدنيا مصفاة من الخواطر السيّئة والأكدار النفسانية مدركة الحقائق على ما هي عليه .وجيء في حكاية هذه الحالة بصيغ الفعل الماضي مع أنها مستقبلة لإِفادة تحقيق وقوع ذلك حتى كأنه قد وقع على نحو قوله تعالى:{ أتى أمر اللَّه}[ النحل: 1] ،والقرينة هي التفريع على الأخبار المتعلقة بأحوال الآخرة .
والتساؤل: أن يسأل بعضهم بعضاً ،وحُذف المتساءل عنه لدلالة ما بعده عليه ،وقد بَين نحواً منه قولهُ تعالى:{ في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر}[ المدثر: 40 - 42] .