لما أبلغهم الله من الموعظة أقصى مَبلغ ،ونصب لهم من الحجج أسطع حجة ،وثبَّت رسوله صلى الله عليه وسلم أرسخ تثبيت ،لا جرم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يوادعهم موادعة مستقرِب النصر ،ويواعدهم ما أُعد لهم من خسر .
وعدم عطف جملة{ قُل} هذه على جملة{ قل حسبي الله}[ الزمر: 38] لدفع توهم أن يكون أمره{ قُلْ حسبي الله} لقصد إبلاغه إلى المشركين نظير ترك العطف في البيت المشهور في علم المعاني:
وتظن سلمَى أنني أبغي بها *** بَدَلاً أَراها في الضلال تَهيم
لم يعطف جملة: أراها في الضلال ،لئلا يتوهم أنها معطوفة على جملة: أبغي بها بدلاً ،ولأنها انتقال من غرض الدعوة والمحاجّة إلى غرض التهديد .وابتدأ المقول بالنداء بوصف القوم لما يشعر به من الترقيق لحالهم والأسف على ضلالهم لأن كونهم قومه يقتضي أن لا يدخرهم نصحاً .
والمكانة: المكان ،وتأنيثه روعي فيه معنى البقعة ،استعير للحالة المحيطة بصاحبها إحاطة المكان بالكائن فيه .والمعنى: اعملوا على طريقتكم وحالكم من عداوتي ،وتقدم نظيره في سورة الأنعام ( 135 .
( وقرأ الجمهور{ مكانتكم} بصيغة المفرد .وقرأ أبو بكر عن عاصم{ مكاناتكم} بصيغة الجمع بألف وتاء .