استئناف ابتدائي ناشِىء عن وصف الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً ،فإنّ أولئك كانوا مظهرين الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ،وكان ثمّة طائفة تبطن الكفر وهم أهل النفاق ،ولمّا كان التظاهر بالإيمان ثم تعقيبه بالكفر ضرباً من التهكّم بالإسلام وأهله ،جيء في جزاء عملهم بوعيد مناسب لتهكّمهم بالمسلمين ،فجاء به على طريقة التهكّم إذ قال:{ بشر المنافقين} ،فإنّ البشارة هي الخبر بما يَفرحَ المخبَر به ،وليس العذاب كذلك ،وللعرب في التهكّم أساليب كقول شَقِيق ابن سُليك الأسدي:
أتاني من أبي أنَسٍ وعيدٌ *** فَسُلىّ لِغَيظَةِ الضّحّاكِ جِسمِي
وقول النابغة:
فإنّك سوف تَحْلُم أو تَناهَى *** إذا ما شِبْت أو شَاب الغراب
وقول ابن زَيَّابة:
نُبِّئْتُ عَمْراً غارزاً رأسَه *** في سِنَةٍ يُوعدِ أخْوَالَهُ
وتلكَ منه غير مأمُونَةٍ *** أنْ يَفعل الشيءَ إذَا قالَهُ
ومجيء صفتهم بطريقة الموصول لإفادة تعليل استحقاقهم العذاب الأليم ،أي لأنّهم اتّخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين ،أي اتّخذوهم أولياء لأجل مضادّة المؤمنين .