عُطف{ وبكفرهم} مرّة ثانية على قوله:{ فبما نقضهم}[ النساء: 155] ولم يُستغن عنه بقوله:{ وكفرِهم بآيات الله}[ النساء: 155] وأعيد مع ذلك حرف الجرّ الذي يغني عنه حرفُ العطف قصداً للتأكيد ،واعتبر العطف لأجل بُعْد ما بيّن اللفظين ،ولأنَّه في مقام التهويل لأمر الكفر ،فالمتكلّم يذكره ويُعيده: يتثبّت ويُرى أنّه لا ريبة في إناطة الحكم به ،ونظير هذا التكرير قول لبيد:
فتَنَازَعَا سَبِطاً يَطِيرُ ظلالُه *** كدُخان مُشْعَلَة يُشَبُّ ضِرامُها
مَشْمُولة غُلِثَتْ بنابت عرفج *** كَدُخَان نار سَاطِع أسْنَامُها
فأعاد التشبيه بقوله: ( كدُخان نَار ) ليحقّق معنى التشبيه الأوّل .وفي « الكشاف » « تكرّر الكفر منهم لأنّهم كفروا بموسى ثم بعيسى ثم بمحمد صلوات الله عليهم فعطف بعض كفرهم على بعض » ،أي فالكفر الثاني اعتبر مخالفاً للذي قبله باعتبار عطف قوله:{ وقولهم على مريم بهتاناً} .ونظيره قول عويف القوافي:
اللؤم أكرمُ من وَبْر ووالدِه *** واللؤمُ أكرم من وَبْرٍ وما ولدا
إذْ عطف قوله: ( واللؤم أكرم من وبر ) باعتبار أنّ الثاني قد عطف عليه قولُه: ( وما ولدا ) .
والبهتان مصدر بَهَتَه إذا أتاه بقول أو عمل لا يترقّبه ولا يجد له جوابا ،والذي يتعمّد ذلك بَهُوت ،وجمعه: بُهُت وبُهْت .وقد زيّن اليهود ما شاءوا في الإفك على مريم عليها السلام .