{ يَسْتَعْجِلُ بِهَا الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا والذين ءَامَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أنها الحق} .
يجوز أن تكون جملة{ يستعجل بها} إلى آخرها حالاً من{ الساعة}[ الشورى: 17] .ويجوز أن تكون بياناً لجملة{ وما يدريك لعل الساعة قريب}[ الشورى: 17] لما تضمنته من التنبيه والتهيئة بالنسبة إلى فريقي المؤمنين بالسّاعة ،والذين لا يؤمنون بها ،فذكر فيها حال كلا الفرِيقين تجاه ذلك التنبيه .فأما المشركون فيتلقونه بالاستهزاء والتصميم على الجحد بها ،وهو المراد بقوله:{ يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها} ،والذين آمنوا بها يعملون لما به الفوز عندها ،ولذلك جيء عقبها بجملة{ ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد} كما سيأتي .
والاستعجال: طلب التعجيل ،وتقدم في قوله تعالى:{ استعجالهم بالخير} في سورة يونس ( 11 ) ،أي يطلب الذين لا يؤمنون بالسّاعة من النبي أن يعجّل الله بحلول السّاعة ليبين صدقه ،تهكماً واستهزاء وكناية عن اتخاذهم تأخرها دليلاً على عدم وقوعها ،وهم آيسون منها كما دلّ عليه قوله في مقابله{ والذين آمنوا مشفقون منها} .وقد تكرر منهم هذا المعنى بأساليب ذكرت في تضاعيف آي القرآن كقوله:{ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين}[ سبأ: 29]{ وقالوا ربَّنا عَجِّلْ لنا قِطَّنَا قبل يوم الحساب}[ ص: 16] .
والإشفاق: رجاء وقوع ما يكره ،أي مشفقون من أهوالها ،وتقدم في قوله:{ وهم من خشيته مشفقون}[ الأنبياء: 28] .وإنما جعل الإشفاق من ذات الساعة لإفادة تعظيم أهوالها حتى كأن أحوالها هي ذاتها ،على طريقة إسناد الحكم ونحوِه إلى الأعيان نحو{ حُرِّمت عليكم الميتةُ}[ المائدة: 3] ،فهم يتوخون النجاة منها بالطاعة والتقوى ،أي فهم لا يستعجلون بها وإنما يغتنمون بقاءهم في الدّنيا للعمل الصالح والتوبة .
والمراد ب{ الذين لا يؤمنون}: المشركون ،وعبر عنهم بالموصول لأن الصلة تدلّ على علة استعجالهم بها ،والمراد بالذين آمنوا: المسلمون فإن هذا لقب لهم ،ففي الكلام احتباك ،تقديره: يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها فلا يشفقون منها والذين آمنوا مشفقون منها فلا يستعجلون بها .
وعُطفت على{ مشفقون منها} جملةُ{ ويعلمون أنها الحق} لإفادة أن إشفاقهم منها إشفاق عن يقين وجزم لا إشفاقٌ عن تردد وخشيَةِ أن يكشف الواقع على صدق الإخبار بها وأنه احتمال مساوٍ عندهم .وتعريف{ الحق} في قوله:{ أنّها الحق} تعريف الجنس وهو يفيد قصر المسند على المسند إليه قصر مبالغة لكمال الجنس في المسند إليه نحو: عنترةُ الشجاع ،أي يوقنون بأنها الحق كل الحق ،وذلك لظهور دلائل وقوعها حتى كأنه لا حق غيره .
{ أَلاَ إِنَّ الذين يُمَارُونَ فَى الساعة لَفِى ضلال بعيد} .
الجملة تذييل لما قبلها بصريحها وكنايتها لأن صريحها إثبات الضلال للذين يكذِّبون بالساعة وكنايتها إثباتُ الهدى للذين يؤمنون بالساعة .وهذا التذييل فذلكة للجملة التي قبلها .
وافتتاح الجملة بحرف{ أَلاَ} الذي هو للتنبيه لقصد العناية بالكلام .
والمُمَاراة: مفاعلة من المِرْية بكسر الميم وهي الشك .والمماراة: المُلاحَّة لإدخال الشك على المجادل ،وقد تقدم في قوله تعالى:{ فلا تمارِ فيهم} في سورة الكهف ( 22 ) .
وجُعل الضلال كالظرف لهم تشبيهاً لتلبسهم بالضلال بوقوع بالمظروف في ظرفه ،فحرف{ في} للظرفية المجازية .
ووصف الضلال بالبعيد وصفٌ مجازي ،شُبه الكفر بضلال السائر في طريق وهو يكون أشد إذا كان الطريق بعيداً ،وذلك كناية عن عسر إرجاعه إلى المقصود .
والمعنى: لفي ضلال شديد ،وتقدم في قوله:{ فَقَدْ ضَلَّ ضلالاً بعيداً} في سورة النساء ( 116 ) .