عطف على جملة{ قالوا هذا سحر}[ الزخرف: 30] فهو في حيّز جواب{ لمّا}[ الزخرف: 30] التوقيتية واقع موقع التعجيب أيضاً ،أي بعد أن أخذوا يتعللون بالعلل لإنكار الحق إذ قالوا للقرآن: هذا سحر ،وإذ كان قولهم ذلك يقتضي أن الذي جاء بالقرآن ساحِر انتُقل إلى ذِكر طعن آخر منهم في الرّسول بأنه لم يكن من عظماء أهل القريتين .
ولولا} أصله حرف تحْضيض ،استعمل هنا في معنى إبطال كونه رسولاً على طريقة المجاز المرسل بعلاقة الملازمة لأن التحْضيض على تحصيل ما هو مقطوع بانتفاء حصوله يستلزم الجزم بانتفائه .
والقريتان هما: مكة والطائف لأنّهما أكبر قُرى تهامة بلد القائلين وأما يثرب وتيماء ونحوهما فهي من بلد الحجاز .فالتعريف في{ القريتين} للعهد ،جعلوا عماد التأهل لسيادة الأقوام أمرين: عظمة المسوّد ،وعظمة قريته ،فهم لا يدينون إلا من هو من أشهر القبائل في أشهر القرى لأن القرى هي مأوى شؤون القبائل وتموينهم وتجارتهم ،والعظيم: مستعار لصاحب السؤدد في قومه ،فكأنه عظيم الذات .
روي عن ابن عباس أنهم عَنَوْا بعظيم مكة الوليدَ بن المغيرة المخزومي ،وبعظيم الطائف حبيب بن عمرو الثقفي .وعن مُجاهد أنهم عنَوا بعظيم مكة عتبة بن رَبيعة وبعظيم الطائف كنانة بن عبد يَالِيل .وعن قتادة عنوا الوليدَ بن المغيرة وَعُروة بن مسعود الثقفي .ثم يحتمل أنهم قالوا هذا اللّفظ المحكي عنهم في القرآن ولم يسموا شخصين معيّنَيْن ،ويحتمل أنهم سمّوا شخصين ووصفوهما بهذين الوصفين ،فاقتصر القرآن على ذكر الوصفين إيجازاً مع التنبيه على ما كانوا يؤهلون به الاختيار للرسالة تحميقاً لرأيهم .
وكان الرجلان اللّذان عَنوهما ذَوَيْ مال لأنّ سَعة المال كانت من مقومات وصف السؤدد كما حكي عن بني إسرائيل قولهم:{ ولم يؤت سعةً من المال}[ البقرة: 247] .