استئناف ابتدائي مسوق للعبرة بعواقب الظالمين المغرورين بما هم فيه من النعمة والقوة ،غروراً أنساهم مراقبة الله فيما يرضيه ،فموقع هذا الاستئناف موقع النتيجة من الدليل أو البيان من الإجمال لما في قوله:{ ولقد فتنَّا قبلهم قوم فرعون}[ الدخان: 17] من التنظير الإجمالي .
وضمير{ تركوا} عائد إلى ما عاد إليه ضمير{ إنهم جند مغرقون}[ الدخان: 24] .
والترك حقيقته: إلقاء شيء في مَكانٍ منتقلَ عنه إبقاء اختيارياً ،ويطلق مجازاً على مفارقة المكان والشيءِ الذي في مكان غلبة دون اختيار وهو مجاز مشهور يقال: ترك الميت مالاً ،ومنه سمي مخلف الميت تركة وهو هنا من هذا القبيل .
وفعل{ تركوا} مؤذن بأنهم أغرقوا وأعدموا ،وذلك مقتضى أن ما أمر الله به موسى من الإسراء ببني إسرائيل وما معه من اتباع فرعون إياهم وانفلاق البحر وإزلاف بني إسرائيل واقتحام فرعون بجنوده البحر ،وانضمام البحر عليهم قد تم ،ففي الكلام إيجازُ حذففِ جمل كثيرة يدل عليها{ كم تركوا} .
و{ كم} اسم لعدد كثير مُبهم يفسِّر نوعَه مميزٌ بعد{ كم} مجرورٌ ب{ من} مذكورةٍ أو محذوفة .وحكم{ كم} كالأسماء تكون على حسب العوامل .وإذ كان لها صدر الكلام لأنها في الأصل استفهام فلا تكون خبرَ مبتدأ ولا خبرَ ( كان ) ولا ( إنّ ) وإذا كانت معمولة للأفعال وجب تقديمها على عاملها .وانتصب{ كم} هنا على المفعول به ل{ تركوا} أي تركوا كثيراً من جنات .و{ مِن} مميزة لمبهم العدد في{ كم} .