عطف على جملة{ فأسرِ بعبادي ليلاً}[ الدخان: 23] فيجوز أن تكون الجملتان صَدَرَتا متصلتين بأنْ أعلَم الله موسى حين أمره بالإسراء بأنه يضرب البحر بعصاه فينفلق عن قعره اليابس حتى يمر منه بنو إسرائيل كما ورد في آيات أخرى مثل آية سورة الشعراء .ولما أمره بذلك طمَّنه بأن لا يخشَى بقاءه منفلقاً فيتوقع أن يلحق به فرعون بل يجتاز البحرَ ويتركه فإنه سَيَطغْى على فرعون وجنده فيغرقون ،ففي الكلام إيجاز تقديره: فإذا سريتَ بعبادي فسنفتح لكم البحر فتسلكونه فإذا سلكتَه فلا تخشَ أن يلحقكم فرعون وجندُه واتركه فإنهم مغرقون فيه .ويجوز أن تكون الجملة الثانية صدرت وقت دخول موسى ومن معه في طرائق البحر فيقدّر قول محذوف ،أي وقُلنا له: اترك البحر رَهْواً ،أي سيدخله فرعون وجنده ولا يخرجون منه لأن في بَقائِهِ مفروقاً حكمةً أخرى وهي دخول فرعون وجنده في طرائقه طمَعاً منهم أن يلحقوا موسى وقومَه ،حتى إذا توسطوه انضمّ عليهم ،فتحصل فائِدة إنْجَاء بني إسرائيل وفائدةُ إهلاك عدوّهم ،فتكون الواو عاطفة قولاً محذوفاً على القول المحذوف قبله .
وعلى الوجهين فالترك مستعمل مجازاً في عدم المبالاة بالشيء كما يقال: دَعْه يفعل كذا ،وذَرْه ،كقوله تعالى:{ ثم ذرهم في خوضهم يلعبون}[ الأنعام: 91] ،وقالت كبشة بنت معد يكرب:
ودَعْ عنك عَمْرا إن عَمرا مُسالم *** وهل بَطْن عمرو غيرُ شِبْر المَطْعَم
والبحر هو بحر القلزم المسمى اليوم البحر الأحمر .
والرهْوُ: الفجوة الواسعة .وأصله مصدر رها ،إذا فتح بين رجليه ،فسميت الفجوة رهواً تسمية بالمصدر ،وانتصب{ رَهْواً} على الحال من البحر على التشبيه البليغ ،أي مثل رَهْو .
وجملة{ إنهم جند مغرقون} استئناف بياني جواباً عن سؤال ناشىء عن الأمر بترك البحر مفتوحاً ،وضمير{ إنهم} عائد إلى اسم الإشارة في قوله:{ أن هؤلاء قوم مجرمون}[ الدخان: 22] والجند: القوم والأمة وعسكر المَلك .
وإقحام لفظ{ جند} دون الاقتصار على{ مغرقون} لإفادة أن إغراقهم قد لزمهم حتى صار كأنه من مقومات عنديتهم كما قدمناه عند قوله تعالى:{ لآياتتٍ لقوممٍ يعقلون} في سورة البقرة ( 164 ) .