ثمّ تضيف الآية التي بعدها: عندما تصل إلى الساحل الآخر عليك أن تترك البحر بهدوء ( واترك البحر رهواً ) والمراد من البحر في هذه الآيات هو نهر النيل العظيم .
لقد ذكر المفسّرون وأرباب اللغة معنيين للرهو: هما الهدوء ،والسعة والإنفتاح ،ولا مانع هنا من اجتماعهما .
لكن لماذا صدر مثل هذا الأمر لموسى( عليه السلام ) ؟
من الطبيعي أنّ موسى( عليه السلام ) وبني إسرائيل كانوا راغبين في أن يجتازوا البحر حتى تتصل المياه مرّة أُخرى وتملأ هذا الفراغ ،ويبتعدوا بسرعة عن منطقة الخطر ،ويتجهوا بسلامة إلى الوطن الموعود ،إلاّ أنّهم أُمروا أنّ لا يعجلوا أثناء عبورهم نهر النيل ،بل ليدعوا فرعون وآخر جندي من جنوده يردون النيل ،فإنّ أمر إهلاكهم وإماتتهم قد صدر إلى أمواج النيل المتلاطمة الغاضبة ،ولذلك تقول الآية في ختامها ( إنّهم جند مغرقون ) .
هذا هو أمر الله عزَّ وجلَّ الحتمي الصادر بحق هؤلاء القوم ،بأنّهم يجب أن يغرقوا جميعاً في نهر النيل العظيم ،الذي كان أساس ثروتهم وقوّتهم !و بأمر إلهي واحد تحول هذا النهر الذي كان عصب حياتهم إلى أداة فنائهم وموتهم .
نعم ،عندما وصل فرعون وجنوده إلى شاطئ النيل كان بنو إسرائيل قد خرجوا من الجانب الآخر ،وكان ظهور مثل ذلك الطريق اليابس وسط النيل كافياً وحده لأن يلفت نظر حتى الطفل الساذج إلى تحقق إعجاز إلهي عظيم في البحر ،إلاّ أنّ كبر أُولئك الحمقى وغرورهم لم يسمح لهم بإدراك هذه الحقيقة الواضحة فيقفوا على اشتباهاتهم وأخطائهم ،ويتوجهوا إلى الله سبحانه !
ربّما كانوا يظنون أنّ هذا التغير الذي طرأ على النيل قد تمّ بأمر فرعون أيضاً !وربّما قال هذا الكلام لجنوده ،ثمّ ورد بنفسه ذلك الطريق فتبعه جنوده حتى الجندي الأخير !
لكن ،أمواج النيل تلاطمت فجأةً وانهالت عليهم كبناء شاهق انهدمت قواعده فانهار إلى الأرض ،فغرقوا جميعاً .
والنكتة التي تلفت النظر في هذه الآيات ،هي اختصارها الفائق ،وكونها بليغة ومعبرة في الوقت نفسه ،فقد ذكرت قصة مفصلة في ثلاث آياتأو جملبحذف الجمل الإضافية التي تفهم من القرائن أو الجمل الأُخرى ،ونراها اكتفت بالقول:
( فدعاه ربّه أنّ هؤلاء قوم مجرمون .فأسر بعبادي ليلاً إنّكم متبعون ،واترك البحر رهواً إنّهم جند مغرقون ) .
إنّ التعبير ب«مغرقون » مع أنّهم لم يكونوا قد غرقوا بعدُ إشارة إلى أنّ هذا الأمر الإلهي حتمي وقطعي .
ولنر الآن ماذا جرى من الحوادث التي تدعو إلى الاعتبار بها ،بعد غرق فرعون والفراعنة .