والخطاب في{ ترى} لكل من يصلح له الخطاب بالقرآن فلا يقصد مخاطب معين ،ويجوز أن يكون خطاباً للرسول صلى الله عليه وسلم والمضارع في{ ترى} مراد به الاستقبال فالمعنى: وترى يومئذٍ .
والأمة: الجماعة العظيمة من الناس الذين يَجمعهم دين جاء به رسول إليهم .
و{ جاثية} اسم فاعل من مصدر الجُثُوِّ بضمتين وهو البروك على الرُكبتين باستئفاز ،أي بغير مباشرة المقعدة للأرض ،فالجاثي هو البارك المستوفز وهو هيئة الخضوع .
وظاهر كون{ كتابها} مفرداً غير معرف باللام أنه كتاب واحد لكل أمة فيقتضي أن يراد كتاب الشريعة مثل القرآن ،والتوراة ،والإنجيل ،وصحف إبراهيم وغير ذلك لا صحائف الأعمال ،فمعنى{ تدعى إلى كتابها} تدعى لتعرض أعمالها على ما أُمرت به في كتابها كما في الحديث «القرآن حجةٌ لك أو عليك» وقيل: أريد بقوله:{ كتابها} كتاب تسجيل الأعمال لكل واحد ،أو مراد به الجنس وتكون إضافته إلى ضمير الأمة على إرادة التوزيع على الأفراد لأن لكل واحد من كل أمة صحيفة عمله خاصة به كما قال تعالى:{ اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً}[ الإسراء: 14] ،وقال:{ وَوضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه}[ الكهف: 49] أي كل مجرم مشفق مما في كتابه ،إلا أن هذه الآية الأخيرة وقع فيها الكتاب معرفاً باللام فقبل العمومَ .وأما آية الجاثية فعمومها بدليّ بالقرينة .فالمراد: خصوص الأمم التي أرسلت إليها الرسل ولها كتب وشرائع لقوله تعالى:{ وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً}[ الإسراء: 15] .
ومسألة مؤاخذة الأمم التي لم تجئها الرسل بخصوص جحد الإله أو الإشراكِ به مقررة في أصول الدين ،وتقدمت عند قوله تعالى:{ وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً} في سورة الإسراء ( 15 ) .
وقرأ الجمهور{ كل أمة تدعى إلى كتابها} برفع{ كل} على أنه مبتدأ و{ تدعى} خبر عنه والجملة استئناف بياني لأن جُثو الأمة يثير سؤال سائل عما بعد ذلك الجثوّ .وقرأه يعقوب بنصب{ كلَّ} على البدل من قوله:{ وترى كل أمة} .وجملة{ تدعى} حال من{ كل أمة} فأعيدت كلمة{ كل أمة} دون اكتفاء بقوله{ تدعَى} أو يدعون للتهويل والدعاء إلى الكتاب بالأمم تجثو ثم تدعى كل أمة إلى كتابها فتذهب إليه للحساب ،أي يذهب أفرادها للحساب ولو قيل: وترى كل أمة جاثية تدعى إلى كتابها لأوهم أن الجثو والدعاء إلى الكتاب يحصلان معاً مع ما في إعادة الخبر مرة ثانية من التهويل .
وجملة{ اليوم تجزون ما كنتم تعملون} بدل اشتمال من جملة{ تدعى إلى كتابها} بتقدير قول محذوف ،أي يقال لهم اليوم تجزون ،أي يكون جزاؤكم على وفق أعْمالِكم وجريها على وفق ما يوافق كتاب دينكم من أفعالكم في الحسنات والسيئات ،وهذا البدل وقع اعتراضاً بين جملة{ وترى كل أمة جاثية} وجملة{ فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات}[ الجاثية: 30] الآيات .