و{ كل شيء} مستعمل في كثرة الأشياء فإن ( كُلاَّ ) تأتي كثيراً في كلامهم بمعنى الكثرة .وقد تقدم عند قوله تعالى:{ ولو جاءتهم كل آية} في سورة يونس ( 97 ) .
والمعنى: تدمر ما من شأنه أن تُدمره الريح من الإنسان والحيوان والديار .
وقوله:{ بأمر ربها} حال من ضمير{ تدمر} .وفائدة هذه الحال تقريب كيفية تدميرها كلَّ شيء ،أي تدميراً عجيباً بسبب أمر ربها ،أي تسخيره الأشياء لها فالباء للسببية .وأضيف الرب إلى ضمير الريح لأنها مسخرّة لأمر التكوين الإلهي فالأمر هنا هو أمر التكوين .
{ فأصبحوا} أي صاروا ،وأصبح هنا من أخوات صار .وليس المراد: أن تدميرهم كان ليلاً فإنهم دمّروا أياماً وليالي ،فبعضهم هلك في الصباح وبعضهم هلك مساء وليلاً .
والخطاب في قوله:{ لا ترى} لمن تتأتّى منه الرؤية حينئذٍ إتماماً لاستحضار حالة دمارهم العجيبة حتى كأن الآية نازلة في وقت حدوث هذه الحادثة .
والمراد بالمساكن: آثارها وبقاياها وأنقاضها بعد قلع الريح معظمها .والمعنى: أن الريح أتت على جميعهم ولم يبق منهم أحد من ساكني مساكنهم .
وقوله:{ كذلك نجزي القوم المجرمين} أي مثل جزاء عاد نجزي القوم المجرمين ،وهو تهديد لمشركي قريش وإنذار لهم وتوطئة لقوله:{ ولقد مكناهم فيما إن مكَّنَّاكم فيه}[ الأحقاف: 26] .
وقرأ الجمهور{ لا ترى} بالمثناة الفوقية مبنياً للفاعل وبنصب{ مساكنهم} وقرأه عاصم وحمزة وخلف بياء تحتية مبنياً للمجهول وبرفع{ مساكنُهم} وأجرى على الجمع صيغة الغائب المفرد لأن الجمع مستثنى ب{ إلاّ} وهي فاصلة بينه وبين الفعل .