( تدمر ) أي:تخرب ) كل شيء ) من بلادهم ، مما من شأنه الخراب ( بأمر ربها ) أي:بإذن الله لها في ذلك ، كقوله:( ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم ) [ الذاريات:42] أي:كالشيء البالي . ولهذا قال:( فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ) أي:قد بادوا كلهم عن آخرهم ولم تبق لهم باقية ، ( كذلك نجزي القوم المجرمين ) أي:هذا حكمنا فيمن كذب رسلنا ، وخالف أمرنا .
وقد ورد حديث في قصتهم وهو غريب جدا من غرائب الحديث وأفراده ، قال الإمام أحمد:
حدثنا زيد بن الحباب ، حدثني أبو المنذر سلام بن سليمان النحوي قال:حدثنا عاصم بن أبي النجود ، عن أبي وائل ، عن الحارث البكري قال:خرجت أشكو العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمررت بالربذة ، فإذا عجوز من بني تميم منقطع بها ، فقالت لي:يا عبد الله ، إن لي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاجة ، فهل أنت مبلغي إليه ؟ قال:فحملتها فأتيت بها المدينة ، فإذا المسجد غاص بأهله ، وإذا راية سوداء تخفق ، وإذا بلال متقلد السيف بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت:ما شأن الناس ؟ قالوا:يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجها . قال:فجلست ، فدخل منزله - أو قال:رحله - فاستأذنت عليه ، فأذن لي ، فدخلت فسلمت ، فقال:"هل كان بينكم وبين تميم شيء ؟ قلت:نعم ، وكانت لنا الدبرة عليهم ، ومررت بعجوز من بني تميم منقطع بها فسألتني أن أحملها إليك ، وها هي بالباب:فأذن لها فدخلت ، فقلت:يا رسول الله ، إن رأيت أن تجعل بيننا وبين تميم حاجزا فاجعل الدهناء ، فحميت العجوز واستوفزت ، وقالت:يا رسول الله ، فإلى أين يضطر مضطرك ؟ قال:قلت:إن مثلي ما قال الأول:"معزى حملت حتفها "، حملت هذه ولا أشعر أنها كانت لي خصما ، أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد . قال:"هيه ، وما وافد عاد ؟ "- وهو أعلم بالحديث منه ، ولكن يستطعمه - قلت:إن عادا قحطوا فبعثوا وافدا لهم يقال له:قيل ، فمر بمعاوية بن بكر ، فأقام عنده شهرا يسقيه الخمر وتغنيه جاريتان يقال لهما "الجرادتان "- فلما مضى الشهر خرج إلى جبال مهرة فقال:اللهم ، إنك تعلم أني لم أجئ إلى مريض فأداويه ، ولا إلى أسير فأفاديه ، اللهم اسق عادا ما كنت تسقيه . فمرت به سحابات سود ، فنودي منها:"اختر "، فأومأ إلى سحابة منها سوداء ، فنودي منها:"خذها رمادا رمددا ، لا تبقي من عاد أحدا ". قال:فما بلغني أنه أرسل عليهم من الريح إلا كقدر ما يجري في خاتمي هذا ، حتى هلكوا - قال أبو وائل:وصدق - وكانت المرأة والرجل إذا بعثوا وافدا لهم قالوا:"لا تكن كوافد عاد ".
رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه ، كما تقدم في سورة "الأعراف ".
وقال الإمام أحمد:حدثنا هارون بن معروف ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرنا عمرو:أن أبا النضر حدثه عن سليمان بن يسار ، عن عائشة أنها قالت:ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستجمعا ضاحكا حتى أرى منه لهواته ، إنما كان يتبسم . قالت:وكان إذا رأى غيما - أو ريحا - عرف ذلك في وجهه ، قالت:يا رسول الله ، الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر ، وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك الكراهية ؟ فقال:"يا عائشة ، ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب ، قد عذب قوم بالريح ، وقد رأى قوم العذاب فقالوا:هذا عارض ممطرنا ". وأخرجاه من حديث ابن وهب .
طريق أخرى:قال أحمد:حدثنا عبد الرحمن ، عن سفيان ، عن المقدام بن شريح ، عن أبيه ، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رأى ناشئا في أفق من آفاق السماء ، ترك عمله ، وإن كان في صلاته ، ثم يقول:"اللهم ، إني أعوذ بك من شر ما فيه ". فإن كشفه الله حمد الله ، وإن أمطرت قال:"اللهم ، صيبا نافعا ".
طريق أخرى:قال مسلم في صحيحه:حدثنا أبو الطاهر ، أخبرنا ابن وهب ، سمعت ابن جريج يحدث عن عطاء بن أبي رباح ، عن عائشة قالت:كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا عصفت الريح قال:"اللهم ، إني أسألك خيرها ، وخير ما فيها ، وخير ما أرسلت به ، وأعوذ بك من شرها ، وشر ما فيها ، وشر ما أرسلت به ". قالت:وإذا تخيلت السماء تغير لونه ، وخرج ودخل ، وأقبل وأدبر ، فإذا مطرت سري عنه ، فعرفت ذلك عائشة ، فسألته ، فقال:"لعله يا عائشة كما قال قوم عاد:( فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا ) .
وقد ذكرنا قصة هلاك عاد في سورتي "الأعراف وهود "بما أغنى عن إعادته هاهنا ، ولله الحمد والمنة .
وقال الطبراني:حدثنا عبدان بن أحمد ، حدثنا إسماعيل بن زكريا الكوفي ، حدثنا أبو مالك ، عن مسلم الملائي ، عن مجاهد وسعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"ما فتح على عاد من الريح إلا مثل موضع الخاتم ، ثم أرسلت عليهم [ فحملتهم] البدو إلى الحضر فلما رآها أهل الحضر قالوا:هذا عارض ممطرنا مستقبل أوديتنا . وكان أهل البوادي فيها ، فألقي أهل البادية على أهل الحاضرة حتى هلكوا . قال:عتت على خزانها حتى خرجت من خلال الأبواب ".