هذه الجملة بدل اشتمال من جملة{ بل كان الله بما تعملون خبيرا}[ الفتح: 11] ،أي خبيراً بما علمتم ،ومنه ظنكم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون .
وأعيد حرف الإبطال زيادة لتحقيق معنى البدلية كما يكرر العامل في المبدل منه والانقلاب: الرجوع إلى المأوى .
و{ أنْ} مخففة من ( أنَّ ) المشددة واسمها ضمير الشأن وسدّ المصدر مسدّ مفعولي{ ظننتم} ،وجيء بحرف{ لن} المفيد استمرار النفي .وأكد بقوله:{ أبداً} لأن ظنهم كان قوياً .
والتزيين: التحسين ،وهو كناية عن قبول ذلك وإنما جعل ذلك الظن مزيناً في اعتقادهم لأنهم لم يفرضوا غيره من الاحتمال ،وهو أن يرجع الرسول صلى الله عليه وسلم سالماً .وهكذا شأن العقول الواهية والنفوسُ الهاوية أن لا تأخذ من الصور التي تتصور بها الحوادث إلا الصورةَ التي تلوح لها في بادىء الرأي .وإنما تلوح لها أول شيء لأنها الصورة المحبوبة ثم يعتريها التزيين في العقل فتلهو عن فرض غيرها فلا تستعد لحَدثانه ،ولذلك قيل: حبك الشيء يُعمي ويُصم .
كانوا يقولون بين أقوالهم: إن محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه أكَلَة بفتحات ثلاث رأس كناية عن القلة ،أي يشبعهم رأس بعير لا يرجعون ،أي هم قليل بالنسبة لقريش والأحابيش وكنانة ،ومن في حلفهم .
و{ ظن السَّوء} أعم من ظنهم أن لا يرجع الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون ،أي ظننتم ظن السوء بالدين وبمن بقي من الموقنين لأنهم جزموا باستئصال أهل الحديبيّة وأنّ المشركين ينتصرون ثم يغزون المدينة بمن ينضمّ إليهم من القبائل فيُسقط في أيدي المؤمنين ويرتدون عن الدين فذلك ظن السوء .والسَّوء بفتح السين تقدم آنفاً في قوله:{ الظانين بالله ظن السوء}[ الفتح: 6] .
والبُور: مصدر كالهُلْك بناءً ومعنى ،ومثله البوار بالفتح كالهلاك ولذلك وقع وصفاً بالإفراد وموصوفه في معنى الجمع .والمراد الهلاك المعنوي ،وهو عدم الخير والنفع في الدين والآخرة نظير قوله تعالى:{ يُهلكون أنفسهم} في سورة براءة ( 42 ) .
وإقحام كلمة{ قوماً} بين{ كنتم} و{ بُوراً} لإفادة أن البوار صار من مقوّمات قوميتهم لشدة تلبسه بجميع أفرادهم كما تقدم عند قوله تعالى{ لآيات لقوم يعقلون} في سورة البقرة ( 164 ) .وقوله:{ وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون} في سورة يونس ( 101 ) .