اعتراض بين آيات وعيد المحاربين وأحكام جزائهم وبين ما بعده من قوله:{ إنّ الذين كفروا لو أنّ لهم ما في الأرض جميعاً}[ المائدة: 36] الآية .خاطب المؤمنين بالتّرغيب بعد أن حذّرهم من المفاسد ،على عادة القرآن في تخلّل الأغراض بالموعظة والتّرغيب والتّرهيب ،وهي طريقة من الخطابة لاصطياد النّفوس ،كما قال الحريري: « فلمّا دَفنوا الميْتْ ،وفاتَ قول ليتْ ،أقبل شَيخ من رِباوَة ،متأبّطاً لهراوة ،.فقال: لمثل هذا فليعمل العاملون ،إلخ .فعُقّب حكم المحاربين من أهل الكفر بأمر المؤمنين بالتّقوى وطلب ما يوصلهم إلى مرضاة الله .وقابل قتالاً مذموماً بقتال يحمد فاعله عاجلاً وآجلاً » .
والوسيلة: كالوصيلة .وفعل وَسَل قريب من فعل وَصَلَ ،فالوسيلة: القُربة ،وهي فعيلة بمعنى مفعولة ،أي متوسّل بها أي اتبعوا التقرّب إليه ،أي بالطاعة .
و{ إليه} متعلّق ب{ الوسيلة} أي الوسيلة إلى الله تعالى .فالوسيلة أريد بها ما يبلغ به إلى الله ،وقد علم المسلمون أنّ البلوغ إلى الله ليس بلوغ مسافة ولكنّه بلوغ زلفى ورضى .فالتّعريف في الوسيلة تعريف الجنس ،أي كلّ ما تعلمون أنّه يقرّبكم إلى الله ،أي ينيلكم رضاه وقبول أعمالكم لديه .فالوسيلة ما يقرّب العبد من الله بالعمل بأوامره ونواهيه .وفي الحديث القُدسي:"ما تَقَرّب إلَيّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضته عليه"الحديث .والمجرور في قوله:{ وابتغوا إليه الوسيلة} متعلّق ب{ ابتغوا} .ويجوز تعلّقه ب{ الوسيلة} ،وقدم على متعلّقه للحصر ،أي لا تتوسّلوا إلاّ إليه لا إلى غيره فيكون تعريضاً بالمشركين لأنّ المسلمين لا يظنّ بهم ما يقتضي هذا الحصر .