عطف على{ في الأرض}[ الذاريات: 20] .فالتقدير: وفي أنفسكم آيات أفلا تبصرون .تفريعاً على هذه الجملة المعطوفة فيقدر الوقف على{ أنفسكم} .وليس المجرور متعلقاً ب{ تبصرون} متقدماً عليه لأن وجود الفاء مانع من ذلك إذ يصير الكلام معطوفاً بحرفين .والخطاب موجه إلى المشركين .والاستفهام إنكاري ،أنكر عليهم عدم الإبصار للآيات .والإبصار مستِعار للتدبر والتفكر ،أي كيف تتركون النظر في آيات كائنة في أنفسكم .
وتقديم{ في أنفسكم} على متعلقه للاهتمام بالنظر في خلق أنفسهم وللرعاية على الفاصلة .
والمعنى: ألا تتفكرون في خلق أنفسكم: كيف أنشأكم الله من ماء وكيف خلقكم أطواراً ،أليس كل طور هو إيجادَ خلق لم يكن موجوداً قبل .فالموجود في الصبي لم يكن موجوداً فيه حين كان جنيناً .والموجود في الكهل لم يكن فيه حين كان غلاماً وما هي عند التأمل إلا مخلوقات مستجدة كانت معدومة فكذلك إنهاء الخلق بعد الموت .
وهذا التكوين العجيب كما يدل على إمكان الإيجاد بعد الموت يدل على تفرّد مكونة تعالى بالإلهية إذ لا يقدر على إيجادِ مثلِ الإنسان غيرُ الله تعالى فإن بَواطن أحوال الإنسان وظواهرها عجائِب من الانتظام والتناسب وأعجبها خلق العقل وحركاته واستخراج المعاني وخلق النطق والإهام إلى اللغة وخلق الحواس وحركة الدورة الدموية وانتساق الأعضاء الرئيسة وتفاعلها وتسوية المفاصل والعضلات والأعصاب والشرايين وحالها بين الارتخاء واليبس فإنه إذا غلب عليها التيبس جاء العجز وإذا غلب الارتخاء جاء الموت .والخطاب للذين خوطبوا بقوله أول السورة{ إن ما تُوعَدُون لصادق}[ الذاريات: 5] .