هذا متصل بالقَسَم وجوابه من قوله:{ والذاريات}[ الذاريات: 1] وقوله:{ وإن الدين لواقع} إلى قوله:{ والسماء ذات الحبك}[ الذاريات: 6 ،7] فبعد أن حقق وقوع البعث بتأكيده بالقسم انتقل إلى تقريبه بالدليل لإبطال إحالتهم إياه ،فيكون هذا الاستدلال كقوله:{ ومن آياته أنك تَرى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربَتْ إن الذي أحياها لمُحيي الموتى}[ فصلت: 39] .وما بين هاتين الجملتين اعتراض ،فجملة{ وفي الأرض آيات للموقنين} يجوز أن تكون معطوفة على جملة جواب القسم وهي{ إن ما تُوعدون لصادق}[ الذاريات: 5] .والمعنى: وفي ما يشاهد من أحوال الأرض آيات للموقنين وهي الأحوال الدالة على إيجاد موجودات بعد إعدام أمثالها وأصولها مثل إنبات الزرع الجديد بعد أن بَاد الذي قبله وصار هشيماً .وهذه دلائل واضحة متكررة لا تحتاج إلى غوص الفكر فلذلك لم تقرن هذه الآيات بما يدعو إلى التفكر كما قرن قوله:{ وفي أنفسكم أفلا تبصرون}[ الذاريات: 21] .
واعلم أن الآيات المرموقة من أحوال الأرض صالحة للدلالة أيضاً على تفرده تعالى بالإلهية في كيفية خلقها ودحْوها للحيوان والإنسان ،وكيف قسمت إلى سهل وجبال وبحر ،ونظام إنباتها الزرع والشجر ،وما يخرج من ذلك من منافع للناس ،ولهذا حذف تقييد آيات بمتعلِّق ليعمّ كل ما تصلح الآيات التي في الأرض أن تدل عليه .وتقديم الخبر في قوله:{ وفي الأرض} للاهتمام والتشويق إلى ذكر المبتدأ .
واللام في{ للموقنين} معلق ب{ آيات} .وخصت الآيات ب{ الموقنين} لأنهم الذين انتفعوا بدلالتها فأكسبتهم الإيقان بوقوع البعث .وأوثر وصف الموقنين هنا دون الذين أيقنوا لإفادة أنهم عرفوا بالإيقان .وهذا الوصف يقتضي مدحهم بثقوب الفهم لأن الإيقان لا يكون إلا عن دليل ودلائل هذا الأمر نظرية .ومَدْحَهم أيضاً بالإنصاف وترك المكابرة لأن أكثر المنكرين للحق تحملهم المكابرة أو الحسد على إنكار حق من يتوجّسون منه أن يقضي على منافعهم .وتقديم{ في الأرض} على المبتدأ للاهتمام بالأرض باعتبارها آيات كثيرة .