{وَفي الأرْضِ آياتٌ لّلْمُوقِنِينَ} في ما أودع الله من أسرار الوجود مثل إبداعه مخلوقات حيّة متنوعة بأجهزتها وأدوارها وخصائصها وأشكالها ،في ما يسكن في سطحها ،أو يسبح في فضائها ،أو يمخر في مائها ،أو يختبىء في مغاورها وكهوفها ،أو يختفي في مساربها وأجوافها ،ولكلّ مخلوق من تلك المخلوقات غذاءٌ يتناسب مع خصائصه ،وظروفٌ تنسجم مع طبيعة حياته ..وإبداع مخلوقات نامية من النباتات تتغذى من العناصر المبثوثة في التراب ،أو السابحة في الأجواء ،وتتشكل بأشكال مختلفةٍ ،وتشتمل على خصائص متنوعة تتناسب مع حاجة الأحياء والحياة ،ومخلوقات جامدة تتكشف عن أسرار الإبداع في طبيعة الخصائص الغريبة ...وقوانين طبيعية أودعها الله في عمق حركة الأرض الكونية السائرة ضمن نظام بديعٍ متقنٍ لا ينحرف عن مساره الطبيعي قيد شعرة .
مع هذا التنوع في مشاهد الأرض وأوضاعها ،من وهاد وبطاح ،ووديان وجبال ،وبحار وبحيرات ،وأنهار وغدران ،وقطع متجاورات ،واختلاف طبائع هذه الأشياء في جمالها وأوضاعها ،وحاجة الحياة إليها في تكامل الوجود إلى خصائص الموجودات ،فإنها مهما اختلفت ،إلاّ أن في داخل كلَ منها سراً يوحي بوجود حكمةٍ في مواقعها ،ما يؤكد لأصحاب الذهنية الواعية أن هناك خطّة مبدعة دقيقة ،متصلة الأجزاء ،موصولة الحلقات ،متعددة المواقع ،بحيث لا مجال للصدفة في كل ظواهرها ومظاهرها وأعماقها ،فلا بد من أن يكون هناك قوّةٌ خالقةٌ حكيمةٌ بديعةٌ وراء ذلك كله ،وهي قوة الله الذي أبدع كل شيء وأعطى كل موجود خلقه ،وأودع فيه سرّ الحكمة والتدبير ،الذي يستلهمه أهل اليقين في صفاء الفكر والروح والوجدان ،