التّفسير
آيات الله وآثاره في أنفسكم:
تعقيباً على الآيات المتقدّمة التي كانت تتحدّث عن مسألة المعاد وصفات أهل النار وأهل الجنّة ،تأتي هذه الآياتمحلّ البحثلتتحدّث عن آيات الله ودلائله في الأرض وفي وجود الإنسان نفسه ليطّلع على مسألة التوحيد ومعرفة الله وصفاته التي هي مبدأ الحركة نحو الخيرات كلّها من جهة ،وعلى قدرته على مسألة المعاد والحياة بعد الموت من جهة أخرى ،لأنّ خالق الحياة على هذه الأرض وما فيها من عجائب قادر على تجديد الحياة بعد الموت كذلك !تقول هذه الآية أوّلا: ( وفي الأرض آيات للموقنين ) .
والحقّ أنّ دلائل الله وقدرته غير المتناهية وعلمه وحكمته التي لا حدّ لها في هذه الأرض كثيرة ووفيرة إلى درجة أنّ عمر أي إنسان مهما كان لا يكفي لمعرفتها جميعاً .
فحجم الأرض وبعدها عن الشمس وحركتها حول نفسها وحركتها حول الشمس والقوى الجاذبة والدافعة التي تنتج عن حجمها وحركتها وهي متعادلة فيما بينها تماماً ومتناسقة فجميع هذه الأمور مجتمعةً توفّر الحياة على سطح الأرض وكلّ ذلك من آيات الله الكبرى .
في حين أن لو تغيّرت حركة من هذه الحركات واختلفت الخصائص أقل اختلاف ،لاضطربت الموازين وتبدلّت ظروف الحياة على سطح الأرض .
فالمواد التي تتشكّل منها الأرض والمنابع التي هي فوق سطح الأرض وداخلهاالمعدّة للحياةكلّ منها آية من آيات الله ودلائله .
الجبال والسهول والهضاب والأنهار والعيون التي كلّ منها له أثره في استمرار الحياة واتّساق ظروفها دلائل أخرى من دلائله وآياته .
مئات الآلاف من أنواع النباتات والحشرات والحيوانات ..أجل ،مئات الآلاف كلّ منها بخصائصه وعجائبه عند مطالعة كتب الأحياء و «البايلوجيا » وكتب الجيولوجيا والتربة وعلم النبات وعلم الحيوان تدع الإنسان يستغرق في حيرة مذهلة !.
وفي كلّ زاوية أو جانب من هذه الكرة الأرضية أسرار مثيرة قلّ أن يلتفت إليها أحد ،إلاّ أنّ الباحثين والعلماء كشفوا النقاب عن جزء منها وأظهروا عظمة الخالق وقدرته .
ولا بأس أن ننقل هنا جانباً من كلمات بعض العلماء المعروفين في العالم الذين لهم دراسات كثيرة في هذا الصدد: إنّه «كرسي موريسين » فلنصغ إليه قائلا:
«لقد روعي منتهى الدقّة في تنظيم العوامل الطبيعية فلو تضخّمت القشرة الخارجية للكرة الأرضية أكثر ممّا كانت عليه عشر مرّات لأنعدم الأوكسجين الذي هو المادّة الأصلية للحياة ،ولو أنّ أعماق البحار كانت أكثر عمقاً ممّا هي عليه قليلا أو كثيراً ،لأنجذب جميع الأوكسجين والكربون من سطح الأرض ولم يعد أي إمكان لحياة النبات أو الحيوان على سطح الأرض » !
ويقول في مكان آخر في الغلاف الجوّي الذي يحيط بالأرض: لو أنّ هذا الغلاف الذي يحيط بالأرض من الهواء كان رقيقاً لخرقته الشهب الثواقب التي تأتي كلّ يوم بنحو عدّة ملايين فتصيب الأرض حيث ما وقعت ،إلاّ أنّ هذا الغلاف الجوّي يمنعها لكثافته فتتلاشى وتحترق عنده فلا تصل إلى الأرض .
ولو أنّ الشهب الثواقب خفّت سرعتها لما احترقت عند اصطدامها بالهواء ولوقعت على الأرض ودمّرت الكثير .
ويقول في مكان آخر أنّ نسبة الأوكسجين في الهواء هي إحدى وعشرين بالمائة فحسب ،فلو كانت هذه النسبة خمسين بالمائة لأحترق به كلّ ما من شأنه الاشتعال في هذا العالم ..ولو وصلت شظية صغرى من النار إلى شجرة في غابة لاحترقت الغابة جمعاء » !
إنّ نسبة كثافة الهواء المحيط بالأرض إلى درجة بحيث يوصل الأشعّة المناسبة لرشد النباتات ونموّها وتعدم المكروبات الضارّة في الفضاء نفسه وتنتج الفيتامينات النافعة .
ومع وجود الأبخرة المختلفة التي خرجت من باطن الأرض خلال القرون المتمادية وانتشرت في الهواء وأغلبها أبخرة سامّة فمع ذلك فإنّ الهواء المحيط بالأرض لم يتلوّث وما يزال باقياً على حالته الطبيعية المناسبة للحياة الإنسانية .
والجهاز الذي يوجد هذه الموازنة ويحفظ هذا التعادل هو البحر والمحيط الذي منه تستمدّ المواد الحياتية والغذاء والأمطار واعتدال الهواء والنباتات وأخيراً فإنّ وجود الإنسان نفسه يستمدّ منه أيضاً .
فكلّ من يدرك هذه المعاني فعليه أن يطأطئ رأسه للبحر تعظيماً وأن يشكر مواهبه وخالق البحر »{[4703]} .
/خ23