{وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ} كل هذا النظام العجائبي المتقن في هذا الجسد المحدود الذي يشتمل على أجهزة معقّدة يمثل كل واحد منها نظاماً مستقلاً يتكامل مع أنظمة أجهزة الجسد الأخرى ،سواء ما كان متعلقاً بالجانب المادي منها أو بالجانب الروحي ؛فكيف تتم عملية الهضم والامتصاص ،وعملية التنفس ،ودورة الدم في القلب والعروق ،والجهاز العصبي وتركيبه وإدارته للجسم ،والغدد وإفرازها وعلاقتها بنموّ الجسم ونشاطه وانتظامه ،وتناسق هذه الأجهزة وتعاونها ،وانسجامها الكامل الدقيق ،وعملية التفكير واختزان المعلومات وتحريكها وتنسيقها وإدارتها والخروج منها بنتيجةٍ جديدةٍ وبعلم جديدٍ ،وانطباع الصور في الذاكرة ،وبروزها عند الحاجة ،والمساحة التي يأخذها كل هذا العالم الفكري الواسع ،المتنوع المفردات والأوضاع والأسرار من هذا الجسد ؟؟
ثم عملية التناسل والتوالد وقانون توارث خصائص الآباء والأجداد ،ضمن خليةٍ واحدةٍ تحمل أسرار ذلك كله ،فكيف حدث هذا ،ومن الذي أبدع السرّ في داخله ؟
ثم تنوّع خصائص البشر ألواناً وأشكالاً وطاقات عقلية وجسدية ،واستقلال كل مخلوق منهم في خصائصه بحيث لا يلتقي فردٌ مع فرد آخر فيها ،كما نلاحظه في اختلاف الأصوات وفي بصمات الأصابع التي لا يماثل واحد منها إِصبعاً آخر في جميع العصور ؟
وهكذا إذا ما غاص الإنسان في عالم نفسه المملوء بالأسرار ،وجد نفسه في متاهاتٍ من العوالم المتنوعة ،لا يخرج من عالمٍ إلا ليدخل في عالمٍ آخر مستقل عنه ،دون أن يصل إلى نهايته ،بل يبقى هناك مجال الوصول إلى اكتشاف جديدٍ ومعرفةٍ جديدةٍ في كل العوارض والطوارىء التي تتصل بحركة الوجود في داخله وخارجه ،ما يدل دلالة واضحة بالرؤية العقلية والحسية على القدرة الخالقة الحكيمة التي تدبر ذلك كله ،وتخطط له .